الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
32 - تحريم إتلاف ما ظفر به المسلمون من ذوات الأرواح وعقره "

18050 - أخبرنا أبو عبد الله، وأبو بكر، وأبو زكريا، وأبو سعيد، قالوا: حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن صهيب، مولى عبد الله بن عامر، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عن قتله"، قيل: يا رسول الله، وما حقها؟ قال: "أن يذبحها فيأكلها، ولا يقطع رأسها فيرمي بها" [ ص: 243 ] .

18051 - قال الشافعي في روايتنا عن أبي عبد الله، وأبي سعيد: ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة.

18052 - حدثناه أبو الحسن محمد بن الحسين بن داود العلوي رحمه الله قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي، حدثنا عبد الله بن هاشم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير، عن جابر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل شيء من البهائم صبرا رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم، عن يحيى القطان.

18053 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: قال أبو بكر الصديق: "لا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لأكله، ولا تغرقن نخلا، ولا تحرقنه".

18054 - فإن قال قائل: فقد قال أبو بكر: ولا تقطعن شجرا مثمرا فقطعته، فإني إنما قطعته بالسنة واتباع ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أولى بي وبالمسلمين، ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت، مع أن السنة تدل على ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم، فذكر حديث العصفور [ ص: 244 ] .

18055 - قال الشافعي: وقد بلغنا عن أبي أمامة الباهلي، "أنه أوصى ابنه أن لا يعقر جسدا".

18056 - وعن عمر بن عبد العزيز، "أنه نهى عن عقر الدابة إذا هي قامت".

18057 - وعن قبيصة، "أن فرسه، قام عليه بأرض الروم فتركه ونهى عن عقره".

18058 - وأخبرنا من سمع هشام بن الغاز، يروي عن مكحول، أنه سأله عنه فنهاه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المثلة ".

18059 - قال الشافعي: وقال الأوزاعي : "وبلغنا أن من قتل نحلا ذهب ربع أجره، ومن قتل جرادا ذهب ربع أجره".

18060 - فإن قال قائل: فقد روي أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه عقر عند الحرب، فلا أحفظ ذلك من وجه ثبت على الانفراد، ولا أعلمه مشهورا عند عوام أهل العلم بالمغازي [ ص: 245 ] .

18061 - قال أحمد: الحديث الذي أرسله الأوزاعي روي، عن أبي رهم السماعي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عقر بهيمة ذهب ربع أجره، ومن حرق نخلا ذهب ربع أجره".

18062 - وليس بالقوي.

18063 - والحديث الذي روي عن جعفر، إنما يرويه محمد بن إسحاق بن يسار، عن يحيى بن عباد، عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني أبي الذي أرضعني، وهو أحد بني مرة بن عوف، وكان في تلك الغزاة، غزاة مؤتة قال: "والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل" أخبرناه أبو علي الروذباري، أخبرنا أبو بكر بن داسة، حدثنا أبو داود، حدثنا النفيلي، حدثنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، فذكره.

18064 - قال أبو داود: هذا الحديث ليس بذلك القوي، وقد جاء فيه نهي كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

18065 - قال الشافعي في رواية أبي عبد الله، وأبي سعيد: فإن زعم أبو يوسف أنها قياس على ما لا روح فيه فليقل للمسلمين أن يحرقوها كما لهم أن يحرقوا النخل والبيوت، وإن زعم أن للمسلمين ذبح ما يذبح منها فإنه إنما أحل ذبحها للمنفعة بأن تكون مأكولة، ليس بأن تعذب بالذبح ولا تكون مأكولة، وبسط الكلام في هذا.

[ ص: 246 ] 18066 - أخبرنا أبو سعيد، حدثنا أبو العباس، أخبرنا الربيع قال: قال الشافعي: " ولكن إن قاتلوا فرسانا، لم نر بأسا إذ كنا نجد السبيل إلى قتلهم بأرجالهم أن نعقرهم كما نرميهم بالمجانيق، وإن أصاب ذلك غيرهم.

18067 - وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان يوم أحد فأكسعت فرسه به فسقط عنها، فجلس على صدره ليذبحه فرآه ابن شعوب، فرجع إليه يعدو كأنه سبع فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته.

18068 - فقال أبو سفيان من بعد ذلك: "

فلو شئت نجتني كميت رجيلة ولم أجهل النعماء لابن شعوب     وما زال مهري مزجر الكلب منهم
لدن غدوة حتى دنت لغروب [ ص: 247 ]     أقاتلهم طرا وأدعو يا لغالب
وأدفعهم عني بركن صليب



18069 - وقال في موضع آخر: عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فرسه، وذلك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكر عليه ذلك، ولا نهاه ولا غيره عن مثل هذا".

[ ص: 248 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية