3395 ص: فإن قال قائل : كان ذلك مما خص به رسول الله - عليه السلام - ، ألا ترى إلى قول - رضي الله عنها - : عائشة "وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - عليه السلام - " .
قيل له : إن قول - رضي الله عنها - هذا إنما هو على أنها لا تأمن عليهم ولا يأمنون على أنفسهم ما كان رسول الله - عليه السلام - يأمنه على نفسه ; لأنه كان محفوظا . عائشة
والدليل على أن القبلة عندها لا تفطر الصائم ما قد روينا عنها أنها قالت : "فأما أنتم فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف " ، أرادت بذلك أنه لا يخاف من إربه ، فدل
[ ص: 512 ] ذلك على ، وقد ذكرنا عنها في بعض هذه الآثار أنها سئلت عن القبلة للصائم فقالت جوابا لذلك السائل : "كان رسول الله - عليه السلام - يقبل وهو صائم " ، فلو كان حكم رسول الله - عليه السلام - في ذلك عندها خلاف حكم غيره من الناس إذا لما كان ما علمته من فعل النبي - عليه السلام - جوابا لما سئلت عنه من فعل غيره ، وقد سألها أن من لم يخف من القبلة وهو صائم شيئا آخر وأمن على نفسه ; أنها له مباحة - رضي الله عنهما - لما جمع له أبوه أهله في شهر رمضان عن مثل ذلك فقالت : "كان رسول الله - عليه السلام - يفعل ذلك " ، وهذا عندنا لأنها كانت تأمن عليه ، فدل ما ذكرنا على استواء حكم رسول الله - عليه السلام - وسائر الناس عندها في حكم القبلة إذا لم يكن معها الخوف على ما بعدها مما تدعو إليه ، وهو أيضا في النظر كذلك ; لأنا قد رأينا الجماع والطعام والشراب قد كان ذلك كله حراما على رسول الله - عليه السلام - في صيامه كما هو حرام على سائر أمته في صيامهم ، ثم هذه القبلة قد كانت لرسول الله - عليه السلام - حلالا في صيامه ; فالنظر على ما ذكرنا أن تكون أيضا حلالا لسائر أمته في صيامهم أيضا ، ويستوي حكمه وحكمهم فيها كما يستوي في سائر ما ذكرنا . عبد الله بن عمر