الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3195 ص: وذهب آخرون إلى تصحيح هذه الآثار كلها ، وقالوا : أما قوله : "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " فإن الشهر قد يكون تسعا وعشرين وقد يكون ثلاثين ، فذلك كله كما قال ، وهو موجود في الشهور كلها .

                                                وأما قوله : " شهرا عيد لا ينقصان : رمضان وذو الحجة " فليس ذلك عندنا على نقصان العدد ، ولكنهما فيهما ما ليس في غيرهما من المشهور ، في أحدهما الصيام ، وفي الآخر الحج ، فأخبرهم رسول الله - عليه السلام - أنهما لا ينقصان وإن كانا تسعا وعشرين ، وهما شهران كاملان كانا ثلاثين ثلاثين أو تسعا وعشرين تسعا وعشرين ; ليعلم

                                                [ ص: 299 ] بذلك أن الأحكام فيهما -وإن كانا تسعا وعشرين تسعا وعشرين- متكاملة فيهما غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين ثلاثين ، فهذا وجه تصحيح هذه الآثار التي ذكرناها في هذا الباب .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ذهب جماعة آخرون من أهل الحديث منهم إسحاق ، وأراد بهذه الآثار : حديث أبي بكرة المذكور ، وحديث ابن عمر ، وحديث أبي هريرة ، ولما كان بينهما تعارض بحسب الظاهر وفقوا بينهما ، وقالوا :

                                                أما قوله : "صوموا لرؤيته . . . " الحديث ، فإن الأمر فيه كما قال ، فإن كل شهر من شهور السنة قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين .

                                                وأما قوله : "شهرا عيد لا ينقصان " فليس معناه على نقصان العدد ; لأنه واقع بالمشاهدة في جميع الشهور -كما قلنا- بالعيان وبالأحاديث المذكورة ، ولكن معناه : أنهما كاملان تامان في حكم العبادة سواء كانا ثلاثين ثلاثين أو تسعا وعشرين تسعا وعشرين ، وأصل ذلك : أن الناس لما كثر اختلافهم في هذين الشهرين لأجل عيدهم وصومهم وحجهم ; أعلمهم النبي - عليه السلام - أن هذين الشهرين وإن نقصت أعدادهما فحكمهما على التمام والكمال في حكم العبادة ; لئلا يقع في القلوب شك إذا صاموا تسعا وعشرين يوما أو وقع في وقوفهم خطأ في الحج ، فبين أن الحكم كامل ، وأن الثواب تام وإن نقص العدد .

                                                والدليل على ذلك ما أخرجه الطبراني : من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل شهر حرام لا ينقص ثلاثين يوما وثلاثين ليلة " .

                                                ورجال إسناده ثقات .

                                                وقال بعضهم : معناه لا يجتمعان في النقص في الغالب فيكون هذا مخرجا على الغالب .

                                                [ ص: 300 ] وقال قوم منهم أبو بكر بن فورك : إن الإشارة بهذا كانت إلى سنة معلومة .

                                                وقال قوم منهم الخطابي : أراد بهذا تفضيل العمل في عشر ذي الحجة ، وأنه لا ينقص في الأجر والثواب عن شهر رمضان .

                                                وقال قوم : لا يمكن أن يحمل هذا إلا على الثواب ، أي : للعامل فيهما ثلاثين يوما وليلة في الصلاة والصيام ونحوهما .

                                                فهذه ستة أقوال قد ذكر الطحاوي منها قولين وزيف أحدهما كما بيناه ، والله أعلم بالصواب .




                                                الخدمات العلمية