الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3318 ص: ولقد أنكر الزهري : حديث الصماء في كراهة صوم يوم السبت ولم يعده من حديث أهل العلم ، بعد معرفته به .

                                                حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا الليث ، قال : "سئل الزهري عن صوم يوم السبت ، فقال : لا بأس به ، فقيل له : فقد روي عن النبي - عليه السلام - في كراهته ؟ فقال : ذلك حديث حمصي " .

                                                [ ص: 444 ] فلم يعده الزهري حديثا يقال به ، وضعفه .

                                                وقد يجوز عندنا -والله أعلم وإن كان ثابتا- أن يكون إنما نهى عن صومه لئلا يعظم بذلك فيمسك عن الطعام والشراب والجماع فيه كما يفعل اليهود .

                                                فأما من صامه لا لإرادته تعظيمه ولا لما يريد اليهود بتركها السعي فيه ; فإن ذلك غير مكروه .

                                                التالي السابق


                                                ش: لما ذكر أن هذا الحديث شاذ يخالف الآثار المشهورة الدالة على عدم كراهة صوم يوم السبت ، أيد كلامه بما روي عن محمد بن مسلم الزهري من تضعيفه إياه ، فإن قوله : "ذلك حديث حمصي " إشارة إلى تضعيفه ; فإن الراوي عن عبد الله بن بسر خالد بن معدان وهو حمصي ، والراوي عنه ثور بن يزيد وهو أيضا حمصي .

                                                وقال أبو داود أيضا : ثنا عبد الملك بن شعيب ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : سمعت الليث يحدث عن ابن شهاب أنه كان إذا ذكر له أنه نهى عن صيام يوم السبت ، قال ابن شهاب : هذا حديث حمصي .

                                                وقال : ثنا محمد بن الصباح ، قال : ثنا الوليد ، عن الأوزاعي ، قال : ما زلت له كاتما ثم رأيته قد انتشر ، يعني : حديث عبد الله بن بسر هذا في صوم يوم السبت .

                                                وقال أبو داود : قال مالك بن أنس : هذا كذب .

                                                قوله : "وقد يجوز عندنا- والله أعلم . . . إلى آخره " إشارة إلى ، جواب آخر عن الحديث المذكور ، بعد تسليمه صحته بالنظر إلى صحة سنده بيانه أن يقال : سلمنا أن هذا الحديث صحيح ، ولكن لا نسلم أنه يدل على كراهة صوم يوم السبت مطلقا ، بل هو محمول على أن يصومه قاصدا به تعظيمه بإمساكه عن الطعام والشراب والجماع كما يفعله اليهود ، وأن يريد به ما يريد به اليهود بتركهم السعي

                                                [ ص: 445 ] والحركة فيه ، فإن ذلك مكروه للتشبيه بهم ، وأما إذا صامه لا لأجل ما ذكرنا من ذلك ; فإن ذلك مباح مأجور فيه .

                                                والدليل عليه ما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت : " كان رسول الله - عليه السلام - أكثر ما كان يصوم من الأيام يوم السبت والأحد ، وكان يقول : "إنهما يوما عيد للمشركين وأنا أريد أن أخالفهم " .

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه " .




                                                الخدمات العلمية