الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3097 ص: وقد دل على ذلك ما حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار ، عن سهل بن أبي حثمة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع " .

                                                فقد علمنا أن ذلك لا يكون إلا في وقت ما تؤخذ الزكاة ; لأن ثمرته لو بلغت مقدار ما تجب فيه الزكاة لم يحط عنه شيء مما وجب عليه فيها وأخذ منه مقدار ما وجب عليه فيها بكماله ، هذا مما قد اتفق عليه المسلمون ، ولكن الحطيطة المذكورة في هذا الحديث إنما هي ما قبل ذلك في وقت ما يأكل من الثمرة أهلها قبل أوان أخذ الزكاة منها ، فأمر الخراص أن يلقوا مما يخرصون المقدار المذكور في هذا الحديث ; لئلا يحتسب به على أهل الثمار في وقت أخذ الزكاة منهم .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وقد دل على ما قلنا من أن المراد من خرص ابن رواحة للعلم بمقدار ما في أيدي كل قوم من الثمار حتى لا يؤخذ في وقت الصرام أكثر من ذلك : ما حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير بن حازم ، عن شعبة بن الحجاج ، عن خبيب -بضم الخاء المعجمة وفتح الباء الموحدة- بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري الخزرجي المدني روى له الجماعة ، عن عبد الرحمن بن مسعود بن نيار -بكسر النون وتخفيف الياء آخر الحروف- الأنصاري المدني روى له أبو داود والترمذي والنسائي هذا الحديث ، ووثقه ابن حبان .

                                                عن سهل بن أبي حثمة -واسم أبي حثمة عبد الله ، وقيل : عامر - بن ساعدة الأنصاري ، قال الواقدي : مات النبي - عليه السلام - وهو ابن ثمان سنين ، وقد حفظ عنه . وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : بايع تحت الشجرة ، وكان دليل النبي - عليه السلام - ليلة أحد ، وشهد المشاهد كلها إلا بدرا . وهذا مناف لما قاله الواقدي .

                                                [ ص: 177 ] وأخرجه الثلاثة :

                                                فأبو داود : عن حفص بن عمر ، نا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن بن مسعود قال : "لما جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا قال : أمرنا رسول الله - عليه السلام - قال : إذا خرصتم فجدوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا أو تجدوا الثلث فدعوا الربع " .

                                                والترمذي : عن محمود بن غيلان ، قال : نا أبو داود الطيالسي ، أنا شعبة ، قال : أخبرني خبيب بن عبد الرحمن ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار يقول : "جاء سهل بن أبي حثمة إلى مجلسنا فحدث أن رسول الله - عليه السلام - كان يقول : إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث ، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع " .

                                                والنسائي .

                                                وأخرجه البزار وقال : لم يروه عن سهل إلا عبد الرحمن بن مسعود بن نيار وهو معروف .

                                                وقال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام " :

                                                عبد الرحمن هذا لا يعرف له حال .

                                                وقال أبو بكر بن العربي لم يصح حديث سهل بن أبي حثمة ، وقال أيضا : ليس في الخرص حديث يصح .

                                                إلا حديث البخاري : عن أبي حميد الساعدي : "غزونا مع رسول الله - عليه السلام - غزوة تبوك . . . " . الحديث .

                                                قال : ويليه حديث ابن رواحة في الخرص على اليهود .

                                                [ ص: 178 ] قلت : أخرج الحاكم حديث سهل وقال : صحيح الإسناد .

                                                قوله : "فخذوا " من الأخذ ، وكذا في رواية الترمذي ، وفي رواية أبي داود "فجدوا " بضم الجيم وتشديد الدال ، من جد يجد -بضم العين في المستقبل- وكسرها ، ومعناه : اجتهدوا في الخرص .

                                                قوله : "ودعوا الثلث " أي : اتركوا ، فإن لم تتركوا الثلث فاتركوا الربع .

                                                وقد علم من هذا أن ذلك لا يكون في وقت أخذ الزكاة ; لأن ثمرته لو بلغت مقدار ما تجب فيه الزكاة لم يجز حط شيء من الذي وجب عليه ، بل يؤخذ عنه ما وجب عليه فيها على التمام والكمال ، وهذا لا خلاف فيه لأحد ، وهو معنى قوله : هذا ما اتفق عليه المسلمون ، والمراد من الحطيطة المذكورة في قوله : "ودعوا الثلث أو الربع " إنما هي قبل أخذ الزكاة ; لتكون توسعة لهم ; لأنهم يأكلون منها ، والطير أيضا تأكل ، ويتلف منها شيء أيضا ; فأمرهم النبي - عليه السلام - أن يحطوا المقدار المذكور عنهم حتى لا يتضررون بحساب ذلك وقت أخذ الزكاة منهم ، وهو معنى قوله : "فأمر الخراص " بضم الخاء وتشديد الراء جمع خارص "أن يلقوا " من الإلقاء ، وهو الطرح .

                                                وقوله : "المقدار المذكور " . بالنصب مفعوله ، والمقدار المذكور في الحديث هو الثلث والربع .




                                                الخدمات العلمية