الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3166 ص: وقد يحتمل حديث حذيفة - رضي الله عنه - عندنا -والله أعلم- أن يكون قبل نزول قوله تعالى : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى جواب ثان عن حديث حذيفة ، وهو أنه يحتمل أن يكون وروده قبل نزول قوله تعالى : وكلوا واشربوا إلى آخره ، فلما نزلت هذه الآية نسخ ذلك الحكم ، والآية تقتضي إباحة الأكل والشرب والجماع إلى أن يظهر الفجر الصادق ; لأن المراد من الخيط الأبيض هو الفجر الصادق بقرينة قوله : من الفجر

                                                والخيط مجاز واستعارة في سواد الليل وبياض النهار .

                                                وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : الخيط الأبيض هو الصبح ، والخيط الأسود الليل .

                                                ثم إن بعضهم من الصحابة - رضي الله عنهم - حملوا ذلك على حقيقة الخيط الأبيض والأسود ، منهم : عدي بن حاتم وغيره ، على ما يأتي عن قريب .

                                                [ ص: 262 ] وكان واحد منهم إذا أراد أن يصوم ربط في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبينا له ، فأنزل الله تعالى بعد ذلك من الفجر فعلموا أنه إنما يعني بذلك الليل والنهار .

                                                وقال أبو بكر الرازي في "الأحكام " : لا يثبت ذلك من حذيفة ، ومع ذلك من أخبار الآحاد فلا يجوز الاعتراض به على القرآن ، قال الله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فأوجب الصوم والإمساك عن الأكل والشرب بظهور الخيط الأبيض الذي هو بياض الفجر . وحديث حذيفة إن حمل على حقيقته كان مبيحا لما حظرته الآية ، وقال النبي - عليه السلام - في حديث عدي بن حاتم : "هو بياض النهار وسواد الليل " فكيف يجوز الأكل نهارا في الصوم مع تحريم الله إياه بالقرآن والسنة ، ولو ثبت حديث حذيفة من طريق النقل لم يوجب جواز الأكل في ذلك الوقت ; لأنه لم يعز الأكل إلى النبي - عليه السلام - ، وإنما أخبر عن نفسه أنه أكل في ذلك الوقت لا عن النبي - عليه السلام - ، فكونه مع النبي - عليه السلام - في وقت الأكل لا دلالة له فيه على علم النبي - عليه السلام - بذلك منه وإقراره عليه ، ولو ثبت أنه - عليه السلام - علم بذلك وأقره عليه ، احتمل أن يكون ذلك في آخر الليل قرب طلوع الفجر ، فسماه نهارا لقربه منه .




                                                الخدمات العلمية