الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3410 ص: وقد روي في حكم الصائم إذا قاء أو استقاء عن النبي - عليه السلام - مفسرا : ما حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقضي " .

                                                فبين هذا الحديث كيف حكم الصائم إذا ذرعه القيء أو استقاء ، وأولى الأشياء بنا أن نحمل الآثار على ما فيه اتفاقها وتصحيحها لا على ما فيه تنافيها وتضادها ، فيكون معنى الحديثين الأولين على ما وصفنا حتى لا يضاد معناهما معنى هذا الحديث . فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                [ ص: 526 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 526 ] ش: أشار بهذا إلى أن حديث أبي هريرة قد فسر فيه ما كان مجملا في حديث ثوبان وفضالة بن عبيد ; لأنه بين فيه حكم الصائم إذا قاء كيف يكون ، وإذا استقاء كيف يكون ؟ فبين أن القيء لا ينقض الصوم وليس عليه شيء ، وأن الاستقاء ينقضه وعليه القضاء ، فدل ذلك على أن معنى الحديثين الأولين هو ما حملناه عليه .

                                                وهذا هو أولى الأشياء أن تحمل الآثار على الاتفاق دون التضاد والاختلاف ; لأن في هذا إعمال الآثار كلها على ما لا يخفى .

                                                ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة بإسناد حسن : عن أحمد بن داود المكي ، عن مسدد ، عن عيسى بن يونس . . . إلى آخره .

                                                وكلهم رجال الصحيح ما خلا أحمد .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، قال : نا عيسى بن يونس . . . إلى آخره نحوه .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا علي بن حجر ، قال : أنا عيسى بن يونس . . . إلى آخره .

                                                وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - إلا من حديث عيسى بن يونس . وقال محمد -يعني البخاري - : لا أراه محفوظا .

                                                قال أبو عيسى : وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - ولا يصح إسناده .

                                                وقال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل قال : ليس من ذا شيء ، قال الخطابي : يريد أن الحديث غير محفوظ .

                                                وقال الذهبي : يريد رفعه .

                                                [ ص: 527 ] وقال البيهقي : سمعه حفص بن غياث ، عن هشام ، تفرد به هشام وبعض الحفاظ ، ألا يراه محفوظا .

                                                وقال ابن بطال : تفرد به عيسى وهو ثقة إلا أن أهل الحديث أنكروه عليه ، ووهم عندهم فيه .

                                                وقال أبو علي الطوسي : هو حديث غريب .

                                                وقال الدارقطني : رواته كلهم ثقات .

                                                وقد رواه الحكم : من حديث حفص بن غياث متابعا لعيسى عن هشام ، وصححه فقال : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، ثنا أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي ، ثنا حفص بن غياث ، ثنا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " إذا استقاء الصائم أفطر ، وإذا ذرعه القيء لم يفطر .

                                                تابعه عيسى بن يونس ، عن هشام ، أبنا أبو بكر بن إسحاق ، أنا أبو المثنى ، نا مسدد .

                                                وثنا أبو الوليد الفقيه ، نا الحسن بن سفيان وجعفر بن أحمد بن نصر ، قالا : ثنا علي بن حجر ، قال : نا عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض " .

                                                هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .

                                                قوله : "من ذرعه القيء " أي : سبقه وغلبه في الخروج ، والمعنى أنه قاء من غير اختياره ، وذكره في "الدستور " في باب فعل يفعل بالفتح فيهما .

                                                قوله : "ومن استقاء " أراد أنه طلب القيء وقاء باختياره .

                                                [ ص: 528 ] وقال ابن المنذر : أجمعوا على أن من ذرعه القيء فلا قضاء عليه .

                                                ثم القيء لا يشترط فيه أن يقدر بحد ، بل هو لا ينقض الصوم سواء كان ملء الفم أو أقل منه ; لأن ذرع القيء مما لا يمكن التحرز عنه ، بل يأتيه على وجه لا يمكنه دفعه ، فأشبه الناسي .

                                                وأجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامدا ، وسواء في ذلك ملء الفم وأقل منه ; لإطلاق قوله : "ومن استقاء فليقض " .




                                                الخدمات العلمية