الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3198 ص: وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا : بل يعتق رقبة إن كان لها واجدا ، ويصوم شهرين متتابعين إن كان للرقبة غير واجد ، فإن لم يستطع ذلك أطعم ستين مسكينا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي خالف الفريقين المذكورين جماعة آخرون ، وأراد بهم : الثوري والأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا والشافعي والحسن بن صالح بن حي وأبا ثور ،

                                                [ ص: 308 ] فإنهم قالوا بالترتيب ; أولا : عتق رقبة ; فإن لم يستطع عليها يصوم شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع على ذلك أطعم ستين مسكينا .

                                                ثم إن الصوم لا يجوز إلا شهران متتابعان بلا خلاف بين الجمهور ، إلا ما روي عن ابن أبي ليلى فإنه قال : التتابع ليس بشرط ، واختلف العلماء أيضا في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة ، قال أبو عمر : قال مالك : الذي آخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان أن عليه صيام ذلك اليوم مع الإطعام ، وليس العتق والصوم من كفارة رمضان في شيء ، وقال الأوزاعي : إن كفر بالعتق أو بالإطعام صام يوما ، وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك ، وقال الثوري : يقضي اليوم ويكفر مثل كفارة الظهار ، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق .

                                                وقال الشافعي : يحتمل أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ، ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة ، ولكل وجه ، وأحب إلي أن يكفر ويصوم مع الكفارة ، هذه رواية الربيع عنه ، وقال المزني عنه : من وطئ امرأته فأولج عامدا كان عليه القضاء والكفارة .

                                                وقال النووي في "الروضة " : وهل يلزمه مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالوقاع ؟ فيه ثلاثة أوجه ، وقيل : قولان ووجه ، أصحهما : يلزم مع الكفارة القضاء ، والثاني : لا ، والثالث : إن كفر بالطعام لم يلزم ، وإلا لزم .

                                                وقال أبو عمر -رحمه الله- : اختلفوا أيضا فيمن أفطر يوما من رمضان بأكل أو شرب متعمدا ، فقال مالك وأصحابه والأوزاعي وإسحاق وأبو ثور : عليه من الكفارة ما على المجامع ، كل واحد منهما على أصله ، وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري ، وروي مثل ذلك أيضا عن عطاء في رواية ، وعن الحسن والزهري .

                                                وقال الشافعي وأحمد : عليه القضاء ولا كفارة ، وهو قول سعيد بن جبير وابن سيرين وجابر بن زيد والشعبي وقتادة .

                                                [ ص: 309 ] وروى مغيرة عن إبراهيم بمثله ، وقال الشافعي : عليه مع القضاء العقوبة لانتهاكه حرمة الشهر ، وقال سائر من ذكرنا معه من التابعين : يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه ، وقال بعضهم : ويصنع معروفا .

                                                وقد روي عن عطاء أيضا : أن من أفطر يوما في رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة ، فإن لم يجد فبدنة أو بقرة أو عشرين صاعا من طعام يطعمه المساكين .

                                                وذكر النسائي : عن سعيد بن جبير قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : "من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة ، أو صوم شهر ، أو إطعام ثلاثين مسكينا ، قلت : ومن وقع على امرأته وهي حائض أو سمع أذان الجمعة ولم يجمع وليس له عذر ؟ قال كذلك عتق رقبة " .

                                                وكان ربيعة يقول : روي عن سعيد بن المسيب "من أفطر يوما من رمضان عليه أن يصوم اثني عشر يوما " .

                                                وروى هشام عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب : "في الرجل يفطر يوما من رمضان متعمدا ، قال : يصوم شهرا " .

                                                وذكر معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين قال : "يقضي يوما ويستغفر الله " وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير ، ورواه عن إبراهيم النخعي بكار بن قتيبة ، وروى حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم أنه قال : "من أفطر يوما من رمضان عامدا فعليه صيام ثلاثة آلاف يوم " .

                                                قال أبو عمر : هذا لا وجه له إلا أن يكون كلاما خرج على التغليظ والغضب كما روي عن النبي - عليه السلام - وعن ابن مسعود وعلي - رضي الله عنهما - أن من أفطر في رمضان عامدا لم يكفره صيام الدهر وإن صامه .

                                                [ ص: 310 ] رواه أبو المطوس عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - ، وهو حديث لا يحتج بمثله .

                                                وقد جاءت الكفارة بأسانيد صحاح .

                                                قال : واختلفوا أيضا فيمن جامع ناسيا لصومه ، فقال الشافعي والثوري -في رواية الأشجعي - وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأبو ثور وإسحاق : ليس عليه شيء ، لا قضاء ولا كفارة ، بمنزلة من أكل ناسيا عندهم ، وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم ، وقال مالك والليث والأوزاعي والثوري -في رواية المعافى عنه- عليه : القضاء ولا كفارة .

                                                وروي مثل ذلك عن عطاء ، وعنه أنه رأى عليه الكفارة ، وقال : مثل هذا لا ينسى ، وقال قوم من أهل الظاهر : سواء وطئ ناسيا أو عامدا عليه القضاء [والكفارة ] ، وهو قول ابن الماجشون عبد الملك ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل .

                                                واختلفوا أيضا فيمن أكل أو شرب ناسيا ، فقال الثوري وابن أبي ذئب والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وداود : لا شيء عليه ويتم صومه ، وهو قول جمهور التابعين ، وبه قال علي وابن عمر وعلقمة وإبراهيم وابن سيرين وجابر بن زيد ، وقال ربيعة ومالك : عليه القضاء .

                                                واختلفوا فيمن أفطر مرتين أو مرارا في أيام رمضان .

                                                فقال مالك والليث والشافعي والحسن بن حي : عليه لكل يوم كفارة ، وسواء وطئ المرة الأخرى قبل أن يكفر أو بعد أن يكفر .

                                                وقال أبو حنيفة : إذا جامع أياما في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود ، وكذلك الآكل والشارب عندهم وإن كفر ثم عاد فعليه كفارة أخرى .

                                                [ ص: 311 ] وروى زفر عن أبي حنيفة : إذا أفطر مرة وكفر ثمث عاد فلا كفارة عليه للإفطار الثاني إذا كان في شهر واحد .

                                                واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول أبي حنيفة وهي رواية أبي يوسف ، وروي عنه مثل قول مالك -رحمه الله- .




                                                الخدمات العلمية