الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3258 3259 ص: حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا حيوة ، قال : ثنا أبو الأسود ، أنه سمع عروة بن الزبير يحدث ، عن أبي مراوح الأسلمي ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب رسول الله - عليه السلام - : "أنه قال : يا رسول الله إني أسرد الصيام ، أفأصوم في السفر ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : إنما هي رخصة من الله -عز وجل- للعباد ، من قبلها فحسن جميل ، ومن تركها فلا جناح عليه ، قال : وكان حمزة يصوم الدهر في السفر والحضر ، وكان أبو مراوح كذلك ، وكان عروة كذلك " .

                                                فدل ما ذكرنا عن رسول الله - عليه السلام - أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار ، وأن الإفطار إنما هو رخصة .

                                                وقد حدثنا ربيع الجيزي ، أنه قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا حيوة ، قال : ثنا أبو الأسود ، عن عروة بن الزبير : "أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تصوم الدهر في السفر والحضر " .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا أيضا تأييدا لقوله : "فثبت بما ذكرنا أن الصوم في السفر أفضل من الفطر " .

                                                [ ص: 374 ] وأخرجه من طريق صحيح : عن ربيع بن سليمان الجيزي ، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد الحجري المؤذن المصري ، عن حيوة بن شريح بن صفوان التجيبي المصري العابد الفقيه ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المدني يتيم عروة ، عن عروة بن الزبير بن العوام ، عن أبي مراوح -قيل : اسمه سعد - وثقه العجلي وابن حبان ، وروى له البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .

                                                قال القاضي : سمعناه من القاضي الشهيد وغيره : أبو مرواح وهي رواية العذري ، وذكره البخاري وأصحاب الحديث : أبو مراوح ، وكذا ذكره مسلم في كتاب الكنى ، وأبو أحمد وغيرهما .

                                                والحديث أخرجه مسلم : حدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي - قال هارون : ثنا ، وقال أبو الطاهر : أنا- ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن أبي الأسود ، عن عروة بن الزبير ، عن أبي مراوح ، عن حمزة بن عمرو الأسلمي ، أنه قال : "يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ فقال رسول الله - عليه السلام - : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " .

                                                وقال هارون : "هي رخصة " ولم يذكر : "من الله " .

                                                وأخرجه النسائي : أنا الربيع بن سليمان ، قال : نا ابن وهب ، قال : نا عمرو -وذكر آخر - عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن أبي مراوح ، عن حمزة بن عمرو ، أنه قال لرسول الله - عليه السلام - : "أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل علي جناح ؟ قال : هي رخصة من الله -عز وجل- ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه " .

                                                قوله : "إني أسرد الصوم " أي : أواليه وأتابعه ، ومنه : سرد الكلام .

                                                قوله : "فحسن " خبر مبتدأ محذوف ; أي فهو حسن جميل .

                                                [ ص: 375 ] قوله : "فلا جناح " أي فلا إثم عليه .

                                                وقال القاضي في شرح حديث مسلم : قد يحتج به من يرى الفطر أفضل لقوله فيه : "حسن " ، وقوله في الصوم : فلا جناح ، ولا حجة في هذا ; فإن الأخذ بالرخصة حسن كما قال ، وأما قوله في الصوم : "فلا جناح " ، فجواب قوله : "هل علي جناح ؟ " ولا يفهم منه أنه أنزل درجة من الفطر ، ولا أنه ليس بحسن ، بل جاء في الحديث الآخر وصفهما جميعا بحسن .

                                                قلت : وبهذا خرج الجواب عما قيل : إن قول الطحاوي : "فدل ما ذكرنا عن رسول الله - عليه السلام - أن الصوم في السفر أفضل من الإفطار ، وأن الإفطار إنما هو رخصة " فيه نظر ; لأنه كيف يكون الصوم أفضل وقد ذكر - عليه السلام - في جانبه نفي الجناح ، وذكر في جانب الإفطار الحسن والجمال ; فافهم .

                                                قوله : "وقد حدثنا ربيع الجيزي . . . إلى آخره " ذكره أيضا تأييدا لقوله : " إن الصوم في السفر أفضل من الإفطار " ، وذلك لأنه لو لم يكن أفضل لما صامت عائشة - رضي الله عنها - الدهر في السفر .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح : عن ربيع الجيزي ، عن أبي زرعة وهب الله . . . إلى آخره . وقد ذكروا كلهم الآن .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث حيوة بن شريح وغيره ، عن أبي الأسود ، عن عروة : "أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تصوم الدهر في السفر والحضر " .




                                                الخدمات العلمية