الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3044 ص: وحجة أخرى : أنا رأينا رسول الله - عليه السلام - ذكر الإبل السائمة أيضا فقال : فيها حق ، فسئل عن ذلك الحق ما هو ؟ فقال : "إطراق فحلها ، وإعارة دلوها ، ومنيحة سمينها " .

                                                حدثنا بذلك ابن مرزوق ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي - عليه السلام - .

                                                [ ص: 87 ] فلما كانت الإبل أيضا فيها حق غير الزكاة ، احتمل أن تكون كذلك الخيل .

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بها الجواب الآخر عن الحديث المذكور ، بيانه : أن النبي - عليه السلام - ذكر الإبل السائمة أيضا فقال : فيها حق . ثم سئل عن ذلك الحق ما هو ؟ فقال : "إطراق فحلها . . . " إلى آخره .

                                                فلما كان في الإبل حق سوى الزكاة ، فكذلك يحتمل أن يكون الحق الذي ذكر في الخيل هو غير الزكاة .

                                                ثم إنه أخرج حديث جابر بإسناد صحيح ، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود النهدي البصري شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي ، عن جابر - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا عبد الملك ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي - عليه السلام - قال : " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر ، تطؤه ذات الظلف بظلفها ، وتنطحه ذات القرن بقرنها ، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن ، قلنا : يا رسول الله ، وما حقها ؟ قال : إطراق فحلها ، وإعارة دلوها ، ومنيحتها ، وجلبها على الماء ، وحمل عليها في سبيل الله . . . " الحديث .

                                                قوله : "ذات الظلف " الظلف للغنم والبقر والظباء ، وهو ما هو منشق من القوائم .

                                                قوله : "إطراق فحلها " وهو إعارتها للضراب ، لا يمنعه إذا طلبه ، ولا يأخذ عليه عسبا أي أجرا ، يقال : طرق الفحل الناقة ، فهي مطروقة ، وهي طروقة الفحل إذا حان لها أن تطرق ، وأطرقته أنا : أعرته لذلك ، إطراقا .

                                                قوله : "ومنيحتها " المنيحة : المنحة وهي عند العرب على معنيين :

                                                [ ص: 88 ] أحدهما : أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له .

                                                والآخر : أن يمنحه ناقة أو شاة فينتفع بلبنها ووبرها زمانا ثم يردها ، وهو تأويل قوله في بعض الأحاديث : "المنحة مردودة " . والمنحة تكون في الأرض يمنحها الرجل أخاه ليزرعها ، ومنحة الورق هي القرض .

                                                قال الفراء : يقال : منحته أمنحه وأمنحه .

                                                وقال ابن دريد : أصل المنحة أن يعطي الرجل رجلا ناقة فيشرب لبنها أو شاة ، ثم صارت كله عطية منحة .

                                                وقال غيره : ومنيحة اللبن أن يجعلها الرجل لآخر سنة .

                                                قوله : "وجلبها على الماء " قيل : معناه أن يقربها للمصدق وييسر ذلك عليه بإحضارها على الماء ليسهل عليه تناول أخذ الزكاة منها ، وهو بسكون اللام ; لأنه مصدر من جلب يجلب جلبا . ويقال : كانت هذه الأشياء قبل فرض الزكاة ثم نسخت ، ويقال : هذه في موضع تتعين فيه المواساة .




                                                الخدمات العلمية