الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3366 ص: وأما حديث عمر بن حمزة فليس أيضا في إسناده كحديث بكير الذي قد ذكرنا ; لأن عمر بن حمزة ليس مثل بكير بن عبد الله في جلالته وموضعه من العلم وإتقانه ، مع أنهما لو تكافئا لكان حديث بكير أولاهما ; لأنه قول من رسول الله - عليه السلام - في اليقظة وذلك قول قد قامت به الحجة على عمر ، وحديث عمر بن حمزة إنما هو على قول حكاه عن رسول الله - عليه السلام - في النوم ، وذلك ما لا تقوم به الحجة ، فما تقوم به الحجة أولى مما لا تقوم به الحجة .

                                                ثم هذا ابن عمر - رضي الله عنه - قد حدث عن أبيه بما حكاه عمر بن حمزة في حديثه ، ثم قال بعد أبيه بخلاف ذلك .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد ، عن أبي حمزة ، عن مورق ، عن ابن عمر : " أنه سئل عن القبلة للصائم ، فأرخص فيها للشيخ ، وكرهها للشاب " .

                                                [ ص: 494 ] فدل ذلك أن هذا كان عنده أولى مما حدث به عمر مما ذكره عمر بن حمزة في حديثه .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا جواب عن حديث عمر بن حمزة الذي احتجت به أهل المقالة الأولى ، بيانه : أن حديث عمر بن حمزة لا يعادل حديث بكير بن عبد الله بن الأشج الذي احتجت به أهل المقالة الثانية ; لأن عمر بن حمزة لا يلحق بكيرا في جلالة قدره وإتقانه وضبطه ، وإن كان عمر بن حمزة أيضا قد روى له مسلم على أن يحيى بن معين قد ضعفه ، وقال ابن حزم فيه : لا شيء .

                                                قوله : "مع أنهما . . . إلى آخره " جواب آخر ، بيانه : أن عمر بن حمزة وبكير بن عبد الله لو سلمنا أنهما تكافآ -يعني تساويا- في الصفات المذكورة وتعادلا في الرواية ، ولكن حديث بكير أولى بالعمل ; لأنه قول من رسول الله - عليه السلام - في حالة اليقظة ، ورواية عمر بن حمزة قول حكاه عن رسول الله - عليه السلام - في النوم وذلك مما لا تقوم به الحجة ، فلذلك قال ابن حزم : الشرائع لا تؤخذ بالمنامات وقد أفتى رسول الله - عليه السلام - عمر - رضي الله عنه - في اليقظة بإباحة القبلة للصائم ، فمن الباطل أن ينسخ ذلك في المنام .

                                                قوله : "ثم هذا ابن عمر . . . إلى آخره " جواب آخر ، بيانه : أن عبد الله بن عمر قد حدث عن أبيه عمر - رضي الله عنه - بما رواه حمزة بن عمر ، عن سالم ، عنه ، عن أبيه عمر ، ثم قال بعد أبيه عمر بخلاف ذلك .

                                                وهو ما أخرجه عن محمد بن خزيمة ، عن حجاج بن المنهال الأنماطي شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي حمزة -بالحاء المهملة والزاي- اسمه محمد بن ميمون السكري روى له الجماعة ، عن مورق العجلي أبي المعتمر البصري الكوفي روى له الجماعة ، عن عبد الله بن عمر . . . إلى ، آخره .

                                                [ ص: 495 ] وأخرج البيهقي في "سننه " : من حديث محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن : "أن فتى سأل ابن عمر عن القبلة وهو صائم ، فقال : لا ، فقال شيخ عنده : لم تحرج الناس وتضيق عليهم ؟ ! والله ما بذلك بأس . قال : أما أنت فقبل ; فليس عند استك خير " .

                                                قوله : "فدل هذا " أي ما روي عن ابن عمر بعد أبيه كان عنده أولى مما حدث به عمر بن الخطاب مما ذكره عمر بن حمزة في حديثه ذلك .

                                                وإلى هذا ذهب جماعة من الفقهاء ، فقالوا : تباح القبلة للصائم إذا كان شيخا ، وتكره إذا كان شابا .




                                                الخدمات العلمية