الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3324 3325 3326 3327 3328 ص: حدثنا فهد ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا نافع بن يزيد ، أن ابن الهاد حدثه -يعني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد - أن محمد بن إبراهيم حدثه ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : " ما كان رسول الله - عليه السلام - يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان ، كان يصوم كله إلا قليلا ، بل كان يصومه كله " .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو داود الطيالسي ، قال : ثنا هشام ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، حدثتني عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - عليه السلام - كان لا يصوم من السنة أكثر من صيامه في شعبان ، فإنه كان يصومه كله .

                                                [ ص: 455 ] حدثنا يونس ، قال : ثنا بشر ، عن الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى ، قال : حدثني أبو سلمة ، قال : حدثتني عائشة . . . فذكر مثله .

                                                حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عمي ، قال : ثنا أسامة بن يزيد الليثي ، قال : ثنا محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة قال : "سألت عائشة عن صيام رسول الله - عليه السلام - ، قالت : كان يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وكان يصوم شعبان أو عامة شعبان " .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا يزيد ، عن معاذة العدوية قالت : "سئلت عائشة : أكان رسول الله - عليه السلام - يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ؟ قالت : نعم ، فقيل لها : من أيه ؟ قالت : ما كان يبالي من أي الشهر صامها " .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه خمس طرق صحاح :

                                                الأول : عن فهد بن سليمان ، عن سعيد بن الحكم المعروف بابن أبي مريم المصري شيخ البخاري ، عن نافع بن يزيد أبي يزيد المصري مولى شرحبيل بن حسنة الكلابي ، روى له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد ، روى له الجماعة ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث العمي المدني روى له الجماعة ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف روى له الجماعة .

                                                وهذا الحديث أخرجه الجماعة بأسانيد مختلفة وألفاظ متتابعة .

                                                وأخرجه مسلم : من حديث ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : " إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله - عليه السلام - فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله - عليه السلام - حتى يأتي شعبان ، ما كان رسول الله - عليه السلام - يصوم من شهر ما كان يصوم من شعبان ، كان يصومه كله إلا قليلا ، بل كان يصومه كله " .

                                                [ ص: 456 ] الثاني : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن أبي داود سليمان بن داود الطيالسي ، عن هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عبد الله ، عن عائشة .

                                                وأخرجه البخاري : عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك ، عن أبي النضر ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : "كان رسول الله - عليه السلام - يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم ، وما رأيت رسول الله - عليه السلام - استكمل صيام شهر إلا رمضان ، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " .

                                                وأخرجه مسلم : عن يحيى بن يحيى ، عن مالك . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثالث : عن يونس بن عبد الأعلى البصري ، عن بشر بن بكر التنيسي البجلي ، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عائشة .

                                                وأخرجه الترمذي : ثنا هناد ، قال : ثنا عبدة عن محمد بن عمرو ، قال : نا أبو سلمة ، عن عائشة قالت : "ما رأيت رسول الله - عليه السلام - يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان " .

                                                الرابع : عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب المصري ابن أخي عبد الله بن وهب -المعروف ببحشل- عن عمه عبد الله بن وهب ، عن أسامة بن زيد الليثي المدني ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي المدني ، عن أبي سلمة عبد الله .

                                                وأخرجه النسائي : أنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم ، قال : ثنا عمي ، قال : نا أبي ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : "لم يكن رسول الله - عليه السلام - لشهر أكثر صياما منه لشعبان ، كان يصومه أو عامته " .

                                                [ ص: 457 ] الخامس : عن علي بن شيبة بن الصلت ، عن روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن يزيد بن أبي يزيد الضبعي أبي الأزهر البصري المعروف بيزيد الرشك -بكسر الراء وسكون الشين المعجمة وفي آخره كاف- وهو القسام بلغة أهل البصرة ، وكان يقسم الدور ، روى له الجماعة .

                                                عن معاذة بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية - روى لها الجماعة .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا شيبان بن فروخ ، قال : ثنا عبد الوارث ، عن يزيد الرشك قال : حدثتني معاذة العدوية : "أنها سألت عائشة زوج النبي - عليه السلام - : أكان رسول الله - عليه السلام - يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت : نعم ، فقلت لها : من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت : لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم " .

                                                وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا .

                                                قوله : "بل كان يصومه كله " إضراب عن الأول ، أي : بل كان رسول الله - عليه السلام - يصوم شعبان كله .

                                                وقال ابن المبارك : جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر كله ، ويقال : قام فلان ليلته أجمع ، ولعله تعشى واشتغل ببعض أمره .

                                                قال الترمذي : كأن عبد الله رأى كلا الحدثين متفقين ، يقول : إنما معنى هذا الحديث : أنه كان يصوم أكثر الشهر ، وقيل : كان يصومه كله في سنة ، وبعضه في أخرى ، وقيل كان يصوم تارة من أوله وتارة من آخره وتارة بينهما لا يخل منه شيئا بلا صيام ، وخصصه بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه الأعمال .

                                                [ ص: 458 ] وقال ابن بطال : وقد روي في بعض الحديث أن هذا الصيام كان لأنه كان يلتزم صومه ثلاثة أيام من كل شهر كما قال لابن عمرو ، فربما شغل عن صيامها أشهرا ، فيجتمع كل ذلك في شعبان فيدركه قبل رمضان .

                                                وقال ابن الجوزي : وورد في حديث أن النبي - عليه السلام - سئل عن صومه فيه ، فقال : "إن الآجال تكتب فيه ، فأحب أن يكتب أجلي وأنا في عبادة ربي " .

                                                وقال العلماء : إنما لم يستكمل غير رمضان بالصيام لئلا يظن وجوبه .

                                                فإن قيل : قد جاء في "الصحيح " : "أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم " فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم ؟ .

                                                قلت : قد قيل : لعله لم يعلم بفضل المحرم إلا في آخر حياته قبل التمكن من صومه ، أو لعله كانت تعرض له فيه أعذار من سفر أو مرض أو غير ذلك .

                                                قوله : "أكان " الهمزة فيه للاستفهام .

                                                قوله : "ما كان يبالي " أي : ما كان يهتم من أي أيام الشهر صامها .




                                                الخدمات العلمية