الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3030 ص: حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا حدثه ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن رجل من بني أسد قال : "نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد ، فقال لي أهلي : اذهب إلى رسول الله - عليه السلام - فسله لنا شيئا نأكله ، وجعلوا يذكرون حاجتهم فذهب إلى رسول الله - عليه السلام - فوجد عنده رجلا يسأله ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا أجد ما أعطيك ، فولى الرجل وهو مغضب وهو يقول : لعمري إنك لتفضل من شئت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنه ليغضب علي ، لا أجد ما أعطيه ، من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا . قال الأسدي : فقلت : للقحة خير من أوقية -قالوا : والأوقية أربعون درهما- قال : فرجعت ولم أسأله ، فقدم على رسول الله - عليه السلام - بعد ذلك شعير وزيت ، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله " .

                                                التالي السابق


                                                ش: إسناده صحيح ، ورجاله كلهم رجال الصحيح .

                                                وطعن ابن حزم في هذا الحديث بقوله : "فيه من لم يسم ولا يدرى صحة صحبته " باطل ساقط ; لأن جهالة الصحابي لا تضر صحة الحديث ، وقد عرف ذلك عند أهل الحديث .

                                                وأخرجه أبو داود : عن عبد الله بن مسلمة ، عن مالك . . . إلى آخره نحوه .

                                                غير أن في روايته : "إنك لتعطي من شئت " .

                                                وأخرجه النسائي أيضا .

                                                قوله : "ببقيع الغرقد " وهو مدفن أهل المدينة ، والبقيع : المكان المتسع من الأرض ، وقيل : لا يسمى بقيعا إلا إذا كان فيه شجر أو أصول شجر من ضروب شتى ، والغرقد -بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف وفي آخره دال

                                                [ ص: 54 ] مهملة - من شجر العضاه ، والعضاه : شجر له شوك ، وقيل : الطلح والسدر ، وكان فيه غرقد فذهب وبقي اسمه .

                                                وفي "الموعب " : الغرقد شجر له شوك كان ينبت هناك ، فذهب الشجر وبقي الاسم لازما للموضع .

                                                وفي "الجامع " : للقزاز سمي بذلك لاختلاف ألوان شجره .

                                                وقال الأصمعي : قطعت غرقدات في هذا الموضع حين دفن عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ، فسمي بقيع الغرقد لذلك .

                                                وفي "المحكم " : وربما قيل له : الغرقد من غير ذكر البقيع .

                                                وقال ياقوت : وبالمدينة أيضا بقيع الزبير وبقيع الخيل عند دار زيد بن ثابت ، وبقيع الخبجبة -بفتح الخاء المعجمة وباء موحدة ثم جيم مفتوحة وباء أخرى- كذا ذكره السهيلي ، وغيره يقول : الجبجبة -بجيمين- وبقيع الخضمات .

                                                وقال أبو حنيفة : الغرقد واحدها غرقدة ، وإذا عظمت العوسجة فهي غرقدة ، والعوسج من شجر الشوك ، له ثمر أحمر مدور كأنه خرز العقيق .

                                                وقال أبو الجراح الأعرابي : العوسجة ذات الشوك وهي قصيرة ولكنها ربما طالت فهي تعد من العضاه ، وإذا طالت وعظمت فهي غرقدة .

                                                وقال بعضهم : الغرقد من نبات القف .

                                                وقال أبو العلاء المعري في "الرسالة الإغريضية " : هو نبت من نبات السهل .

                                                وقال أبو زيد الأنصاري في كتاب "الشجر " تأليفه : والغرقد نبت بكل مكان خلا حر الرمل .

                                                [ ص: 55 ] وذكر ابن البيطار في "جامعه " أن الغرقد اسم عربي سمى به بعض العرب النوع الأبيض الكبير من العوسج ، وفي "الجامع " للقزاز : قال أبو عمر : والغرقد شجر يشبه العوسج وليس به ، وعوده أغلظ من عود العوسج ، ومضغه مر .

                                                وفي الحديث في ذكر الدجال : "كل شجر يواري يهوديا ينطق إلا الغرقد ; فإنه من شجرهم فلا ينطق " .

                                                وقال الأصمعي : الغرقد من شجر الحجاز .

                                                قوله : "وهو مغضب " جملة حالية ، ومغضب -بفتح الضاد- مفعول من الإغضاب .

                                                قوله : "لعمري " بفتح العين ، وهو العمر -بالضم- ولكن لا يقال في القسم إلا بالفتح ، ومعناه : وحق بقائي وحياتي ، وكذا معنى قولهم : لعمر الله ، أي : أحلف ببقاء الله ، و"اللام " فيه للتأكيد .

                                                قوله : "أو عدلها " بفتح العين ، يريد قيمتها ، يقال : هذا عدل الشيء أي : ما يساويه في القيمة ، وهذا عدله -بكسر العين- أي : نظيره ومثله في الصورة والهيئة .

                                                قوله : "للقحة لنا " "اللام " فيه للتأكيد . اللقحة بفتح اللام : الناقة المرية ، وهي التي تمرى أي تحلب ، وجمعها : لقاح ، وارتفاعها بالابتداء ، وتخصص بالصفة ، وخبره قوله : "خير من أوقية " وقد مر تفسير الأوقية .




                                                الخدمات العلمية