الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3340 3341 3342 3343 3344 3345 3346 3347 3348 3349 3350 3351 3352 3353 3354 3355 3356 ص: وقد روي عن رسول الله - عليه السلام - فيما أمر به عبد الله بن عمرو ما يدل على ذلك .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عمرو بن أوس -رجل من ثقيف- عن عبد الله بن عمرو قال : قال النبي - عليه السلام - : " أحب الصيام إلى الله -عز وجل- صيام داود - عليه السلام - كان يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                حدثنا بكر بن إدريس ، قال : ثنا آدم . (ح)

                                                وحدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا روح قال : ثنا شعبة ، عن زياد بن الفياض ، قال : سمعت أبا عياض ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو يحدث ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

                                                [ ص: 469 ] حدثنا أبو بكرة وعلي بن شيبة ، قالا : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أن عمرو بن أوس أخبره ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله - عليه السلام - قال : "أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم نصف الدهر " .

                                                حدثنا ابن مرزوق -يعني إبراهيم - قال : ثنا عفان ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : ثنا ثابت ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص : "أنه أتى النبي - عليه السلام - -يعني فسأله عن الصيام- فقال له : صم يوما ولك عشرة أيام ، قال : زدني يا رسول الله فإن بي قوة ، قال : صم يومين ولك تسعة أيام ، قال : زدني فإن بي قوة . قال : صم ثلاثة أيام ولك ثمانية أيام " .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال له رسول الله : " إن من حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام بكل حسنة عشر أمثالها ، فذلك صوم الدهر كله ، فشددت على نفسي فشدد علي . فقلت : إني أطيق أكثر من ذلك ، فقال : صم صوم نبي الله داود - عليه السلام - . قلت : وما صوم داود نبي الله ؟ قال : نصف الدهر " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا بشر ، عن الأوزاعي ، قال : ثنا يحيى . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا محمد بن أبي حفصة ، قال : ثنا ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو قال : "بلغ رسول الله - عليه السلام - أني أقول : لأصومن الدهر ، فقال : صم ثلاثة أيام من كل شهر . قلت : فإني أطيق أفضل من ذلك ، قال : صم يوما وأفطر يومين . قلت : فإني أطيق أفضل من ذلك ، قال : صم يوما وأفطر يوما ، فذلك صوم داود - عليه السلام - وهو أعدل الصيام " .

                                                حدثنا نصر بن مرزوق ، وابن أبي داود ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح قال :

                                                [ ص: 470 ] حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن ابن شهاب ، أن سعيدا أخبره وأبا سلمة ، أن عبد الله بن عمرو قال : "أخبر رسول الله - عليه السلام - . . . . " فذكر مثله .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثنا الليث ، قال : ثنا ابن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب وروح ، قالا : ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن طلحة بن هلال -أو هلال بن طلحة - قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : "قال لي رسول الله - عليه السلام - : يا عبد الله صم ثلاثة أيام من كل شهر من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها

                                                قلت : إني أطيق أكثر من ذلك . قال : صم صوم داود ; كان يصوم يوما ويفطر يوما "
                                                .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا معلى بن أسد ، قال : ثنا عبد العزيز بن المختار ، قال : ثنا خالد الحذاء ، قال : حدثني أبو قلابة ، قال : حدثني أبو المليح قال : "دخلت مع أبيك زيد بن عمرو على عبد الله بن عمرو بن العاص ، فحدثنا أن رسول الله - عليه السلام - ذكر له صومه ، قال : فدخل علي ، فألقيت له وسادة من أدم حشوها ليف ، فجلس على الأرض ، وقال لي : إنما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام . قلت : يا رسول الله ، قال : فخمسة أيام ، قلت : يا رسول الله ، قال : فسبعة أيام . قلت : يا رسول الله ، قال : فتسعة أيام . قلت : يا رسول الله ، قال : فأحد عشر يوما . قلت : يا رسول الله ، قال : أظنه قال : ثلاثة عشر يوما . قلت : يا رسول الله ، قال : لا صيام فوق صيام داود - عليه السلام - شطر الدهر ، صيام يوم وإفطار يوم " .

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا عبد الله بن رجاء ، قال : ثنا زائدة بن قدامة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : "قال له رسول الله - عليه السلام - :

                                                [ ص: 471 ] كيف تصوم ؟ قلت : أصوم فلا أفطر . قال : صم من كل شهر ثلاثة أيام . قلت : إني أقوى من ذلك . فلم يزل يناقصني وأناقصه حتى قال : صم أحب الصيام إلى الله -عز وجل- صوم داود - عليه السلام - صوم يوم وإفطار يوم "
                                                .

                                                حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا علي بن قادم ، قال : ثنا مسعر ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي العباس ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : قال له رسول الله - عليه السلام - : "ألم أنبأ أنك تصوم الدهر وتقوم الليل ، قال : قلت : إني أقوى ، قال : إنك إذا فعلت نفهت له النفس وهجمت له العين ، قال : قلت : إني أقوى ، قال : فصم ثلاثة أيام من كل شهر ، قال : قلت : إني أقوى ، قال : فصم صوم أخي داود - عليه السلام - ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا أسد ، قال : ثنا شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت أبا العباس -رجلا من أهل مكة وكان شاعرا ، وكان لا يتهم في الحديث- قال : سمعت عبد الله بن عمرو . . . فذكر مثله .

                                                حدثني أبو أمية ، قال : حدثنا سريج ، قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا حصين ومغيرة ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله - عليه السلام - قال له : "صم من كل شهر ثلاثة أيام . . . " ثم ذكر مثله .

                                                حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا وهب بن جرير ، قال : ثنا أبي ، قال : سمعت غيلان بن جرير يحدث ، عن عبد الله بن معبد الزمان ، عن أبي قتادة : "سئل رسول الله - عليه السلام - عمن يصوم يوما ويفطر يوما ؟ قال : ذاك صوم داود - عليه السلام - ، قال : يا رسول الله كيف من يصوم يوما ويفطر يومين ؟ قال : وددت أني طوقت ذلك " .

                                                فلما أباح رسول الله - عليه السلام - فى هذه الآثار المتواترة صوم يوم وإفطار يوم من سائر الدهر دلك ذلك أن صوم ما بعد النصف من شعبان مما قد دخل في إباحة النبي - عليه السلام - لعبد الله بن عمرو ، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .

                                                [ ص: 472 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 472 ] ش: أي : قد روي عن رسول الله - عليه السلام - في الذي أمر به عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - ما يدل على إباحة الصوم فيما بعد النصف من شعبان ; وذلك لأنه - عليه السلام - لما أباح فيها صوم يوم وإفطار يوم من سائر أيام الدهر ، دل على إباحة الصوم فيما بعد النصف من شعبان ; لدخوله في تلك الإباحة .

                                                ثم إنه أخرج ما روي عن عبد الله بن عمرو من ستة عشر طريقا :

                                                الأول : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار المكي ، عن عمرو بن أوس بن أبي أوس الثقفي الطائفي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وهذا إسناد صحيح ، ورجاله كلهم رجال "الصحيح " .

                                                وهذا الحديث أخرجه الجماعة بطرق مختلفة وألفاظ متباينة .

                                                وبهذا الطريق أخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب ، قال زهير : نا سفيان بن عيينة ، عن عمرو -يعني ابن دينار - عن عمرو بن أوس ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " إن أحب الصيام إلى الله : صيام داود ، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود - عليه السلام - ، كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ، وكان يصوم يوما ويفطر يوما .

                                                قوله : "أحب الصيام إلى الله " أي : أكثره ثوابا وأعظمه أجرا .

                                                الثاني : عن بكر بن إدريس بن الحجاج ، عن آدم بن أبي إياس شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن زياد بن فياض الخزاعي الكوفي ، عن أبي عياض عمرو بن الأسود العنسي الشامي الدمشقي ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                [ ص: 473 ] وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : ثنا غندر ، عن شعبة ، عن زياد بن فياض ، قال : سمعت أبا عياض ، عن عبد الله بن عمرو : "أن رسول الله - عليه السلام - قال له : صم يوما ولك أجر ما بقي . قال : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم يومين ولك أجر ما بقي ، قال : إني أطيق أكثر من ذلك . قال : صم ثلاثة أيام ولك أجر ما بقي ، قال : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي ، قال : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : "صم أفضل الصيام عند الله : صوم داود - عليه السلام - ; كان يصوم يوما ويفطر يوما " .

                                                الثالث : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن زياد بن فياض . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم أيضا نحوه : ثنا محمد بن مثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن زياد بن فياض . . . إلى آخره نحو روايته الأولى .

                                                الرابع : عن أبي بكرة بكار وعلي بن شيبة السدوسي ، كلاهما عن روح بن عبادة ، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، عن عمرو بن دينار ، أن عمرو بن أوس أخبره ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم أيضا : حدثني محمد بن رافع ، قال : ثنا عبد الرزاق ، قال : نا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن دينار ، أن عمرو بن أوس أخبره ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن النبي - عليه السلام - قال : "أحب الصيام إلى الله : صيام داود - عليه السلام - ; كان يصوم نصف الدهر . . . " الحديث .

                                                [ ص: 474 ] الخامس : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن عفان بن مسلم الصفار ، عن حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وهذا إسناد صحيح .

                                                وشعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وثقه ابن حبان ، وذكر البخاري وأبو داود وغيرهما أنه سمع من جده عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وأخرجه النسائي : أنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا حماد . (ح)

                                                قال : وأخبرني زكرياء بن يحيى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا حماد ، عن ثابت ، عن شعيب بن عبد الله بن عمرو ، عن أبيه قال : قال رسول الله - عليه السلام - "صم يوما ولك أجر عشرة . فقلت : زدني ، فقال : صم يومين ولك أجر تسعة ، قلت : زدني ، قال : صم ثلاثة أيام ولك أجر ثمانية ، قال ثابت : فذكرت ذلك لمطرف ، قال : ما أراه إلا يزاد في العمل وينقص في الأجر " اللفظ لمحمد .

                                                السادس : عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن حسين بن ذكوان المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني زهير بن حرب ، قال : ثنا روح بن عبادة ، قال : ثنا حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير . . . إلى آخره نحوه .

                                                قوله : "إن من حسبك أن تصوم " أي : إن من كفايتك : صومك من كل شهر ثلاثة أيام .

                                                [ ص: 475 ] السابع : عن يونس بن عبد الأعلى المصري ، عن بشر بن بكر التنيسي الدمشقي ، عن عبد الرحمن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عبد الله ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا ابن مقاتل ، قال : أنا عبد الله ، قال : أبنا الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، ثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن ، قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال له رسول الله - عليه السلام - : "يا أبا عبد الرحمن ، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟ فقلت : بلى يا رسول الله ، قال : فلا تفعل ، صم وأفطر ، وقم ونم ; فإن لجسدك عليك حقا ، وإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام ; فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها ; فإن ذلك صيام الدهر كله ، فشددت فشدد علي . قلت : يا رسول الله إني أجد قوة ، قال : صم صيام نبي الله داود - عليه السلام - ولا تزد . قلت : وما كان صيام نبي الله داود ؟ قال : نصف الدهر ، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر : يا ليتني قبلت رخصة النبي - عليه السلام - " .

                                                الثامن : عن علي بن شيبة ، عن روح بن عبادة ، عن محمد بن أبي حفصة ميسرة البصري ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن ، كلاهما عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني أبو الطاهر ، قال : سمعت عبد الله بن وهب يحدث ، عن يونس ، عن ابن شهاب .

                                                وحدثني حرملة بن يحيى ، قال : أنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عبد الله بن [ ص: 476 ] عمرو بن العاص قال : "أخبر رسول الله - عليه السلام - أنه يقول : لأقومن الليل ولأصومن النهار ما عشت ، فقال رسول الله - عليه السلام - : أنت الذي تقول ذلك ؟ فقلت له : قد قلته يا رسول الله ، فقال رسول الله - عليه السلام - : فإنك لا تستطيع ذلك ، فصم وأفطر ، ونم وقم ونم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ; فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر . قال : قلت : فإني أطيق [أفضل من ذلك ، قال : صم يوما وأفطر يومين ، قال : قلت : فإني أطيق ] أفضل من ذلك يا رسول الله ، قال : صم يوما وأفطر يوما ، وذلك صيام داود - عليه السلام - وهو أعدل الصيام . قال : قلت : فإني أطيق أفضل من ذلك . قال رسول الله - عليه السلام - : لا أفضل من ذلك . قال عبد الله بن عمرو : لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله - عليه السلام - ، أحب إلي من أهلي ومالي " .

                                                التاسع : عن نصر بن مرزوق وإبراهيم بن أبي داود البرلسي ، كلاهما عن عبد الله بن صالح وراق الليث ، عن الليث بن سعد ، عن عقيل -بضم العين وفتح القاف- بن خالد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا أبو اليمان ، قال : أنا شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، أن عبد الله بن عمرو قال : "أخبر رسول الله - عليه السلام - أني أقول : والله لأصومن الدهر ولأقومن الليل ما عشت ، فقلت له : قد قلته ; بأبي أنت وأمي ، قال : فإنك لا تستطيع ذلك ، فصم وأفطر ، ونم وقم ، وصم من الشهر ثلاثة أيام ; فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، قال : فصم يوما وأفطر يوما ذلك صيام داود ، وهو أفضل الصيام . قلت : إني أطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي - عليه السلام - : لا أفضل من ذلك " .

                                                [ ص: 477 ] العاشر : عن محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان ، كلاهما عن عبد الله بن صالح ، عن الليث ، عن يزيد بن عبد الله بن شداد بن الهاد ، عن محمد بن إبراهيم التيمي المدني ، عن أبي سلمة ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                هذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه النسائي : من حديث محمد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : "دخلت على عبد الله بن عمرو ، قلت : أي عم ، حدثني عما قال لك رسول الله - عليه السلام - ، قال : يا ابن أخي قد كنت أجمعت على أن أجتهد اجتهادا شديدا ، حتى قلت : لأصومن الدهر ولأقرأن القرآن في كل يوم وليلة ، فسمع بذلك رسول الله - عليه السلام - ، فأتاني حتى دخل علي في داري ، فقال : إنك قلت : لأصومن الدهر ولأقرأن القرآن ؟ فقلت : قد قلت ذلك يا رسول الله ، قال : فلا تفعل ، صم من كل شهر ثلاثة أيام . قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك ، قال : فصم من الجمعة يومين الاثنين والخميس . قلت : إني أقوى على أكثر من ذلك ، قال : فصم صيام داود - عليه السلام - ، فإنه أعدل الصيام عند الله يوما صائما ويوما مفطرا ، لأنه كان إذا وعد لم يخلف ، وإذا لاقى لم يفر " .

                                                الحادي عشر : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير وروح بن عبادة ، كلاهما عن شعبة بن الحجاج ، عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن طلحة بن هلال العامري -أو هلال بن طلحة - وثقه ابن حبان ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " : ثنا عمر بن محمد الهمداني ، ثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي ، ثنا محمد بن بكر البرساني ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، سمعت طلحة بن هلال -رجلا من بني عامر - سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله - عليه السلام - : "يا عبد الله بن عمرو صوم ثلاثة أيام صيام الدهر ،

                                                [ ص: 478 ] من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها فقلت : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : صم صوم داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما "
                                                .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير " : ثنا أحمد بن محمد السوطي ، ثنا عفان ، نا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن هلال بن طلحة -أو طلحة بن هلال- عن عبد الله بن عمرو . . . إلى آخره نحوه .

                                                الثاني عشر : عن محمد بن خزيمة ، عن معلى بن أسد العمي البصري شيخ البخاري ، عن عبد العزيز بن المختار الدباغ البصري روى له الجماعة ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أحد الأئمة الأعلام ، عن أبي المليح بن أسامة الهذلي ، قيل : اسمه عامر ، وقيل : زيد بن أسامة ، وأبوه له صحبة .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا إسحاق بن شاهين الواسطي ، قال : ثنا خالد ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، قال : أخبرني أبو المليح قال : "دخلت مع أبيك على عبد الله بن عمرو ، فحدثنا أن رسول الله - عليه السلام - ذكر له صومي فدخل علي ، فألقيت له وسادة من أدم ، حشوها ليف ، فجلس على الأرض ، وصارت الوسادة بيني وبينه فقال : أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، قال : خمسا ، قال : قلت : يا رسول الله ، قال : سبعا ، قلت : يا رسول الله ، قال : تسعا ، قلت : يا رسول الله قال : أحد عشر . ثم قال النبي - عليه السلام - : لا صوم فوق صوم داود - عليه السلام - ; شطر الدهر ، صم يوما وأفطر يوما " .

                                                وأخرجه مسلم والنسائي أيضا .

                                                قوله : "مع أبيك " خطاب لأبي قلابة واسم أبيه : زيد بن عمرو .

                                                [ ص: 479 ] قوله : "وسادة " بكسر الواو ، وهي المخدة . قال الجوهري : الوساد والوسادة : المخدة والجمع : وسائد ووسد .

                                                قوله : "قال : فخمسة أيام . . . إلى آخره " في كل هذا دليل على إيثار الوتر ومحبته في جميع الأمور ، ثم رجوعه إلى صيام يوم وإفطار يوم فيه الوتر ; لأنه خمسة عشر يوما من كل شهر .

                                                وفي هذا الحديث من الفوائد : إكرام الداخل والضيف وذي الفضل وإيثاره ، وما كان - عليه السلام - من التواضع ، وأنه كان لا يحب الأثرة .

                                                الثالث عشر : عن محمد بن خزيمة بن راشد ، عن عبد الله بن رجاء بن عمر الغداني شيخ البخاري ، عن زائدة بن قدامة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه السائب بن مالك الثقفي الكوفي ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                وأخرجه الطبراني : ثنا أحمد بن داود المكي ، نا أبو معمر المقعد ، نا عبد الوارث بن سعيد ، عن عطاء بن السائب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : "رآني النبي - عليه السلام - فدعاني ، فقال : في كم تقرأ القرآن ؟ قلت : في يومين وليلتين ، فقال : بخ ، صل وارقد وصل ، اقرأ في كل شهر ، قلت : إني أقوى من ذلك ، فناقصني وناقصته حتى بلغ سبعا ، قال : كيف تصوم ؟ قلت : أصوم ولا أفطر . فقال : صم وأفطر ، وصم من كل شهر ثلاثة أيام . قلت : إني أقوى من ذلك ، فناقصني وناقصته ، قال : فإن أبيت فصم أحب الصوم إلى الله ; صوم داود - عليه السلام - ، صم يوما وأفطر يوما . فلأن أكون قبلت رخصة رسول الله - عليه السلام - أحب إلي من أهلي ومالي " .

                                                الرابع عشر : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن علي بن قادم الخزاعي الكوفي ، عن مسعر بن كدام ، عن حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار الكوفي ، عن أبي العباس السائب بن فروخ المكي الشاعر الأعمى الثقة ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا إسناد صحيح .

                                                [ ص: 480 ] وأخرجه البخاري : ثنا آدم ، ثنا شعبة ، نا حبيب بن أبي ثابت ، قال : سمعت أبا العباس المكي -وكان شاعرا وكان لا يتهم في حديثه- قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص قال : "قال له النبي - عليه السلام - : إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل ؟ فقلت : نعم ، قال : إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونفهت له النفس ، لا صام من صام الدهر ، صوم ثلاثة أيام من الشهر صوم الدهر كله . قلت : إني أطيق أكثر من ذلك ، قال : فصم صوم داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى " .

                                                قوله : "ألم أنبأ " على صيغة المجهول أي : ألم أخبر ، والهمزة فيه للاستفهام .

                                                قوله : "نفهت له النفس " أي : أعيت وكلت ، قال الجوهري : نفهت نفسه -بالكسر- أعيت وكلت ، والنافه : الكال المعيى من الإبل .

                                                قلت : مادته : (نون وفاء وهاء) .

                                                قوله : "وهجمت له العين " أي : غارت ودخلت في موضعها ، ومنه الهجوم على القوم وهو الدخول عليهم .

                                                قوله : "ولا يفر إذا لاقى " أي : إذا لاقى الأعداء في الحرب ، أراد أنه كان لا يفر من الزحف والقتال .

                                                الخامس عشر : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن أسد بن موسى ، عن شعبة ، عن حبيب بن أبي ثابت . . . إلى آخره .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا عبد الله بن معاذ ، قال : حدثني أبي ، قال : نا شعبة عن حبيب ، سمع أبا العباس ، سمع عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله - عليه السلام - : "يا عبد الله بن عمرو إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل ، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت له

                                                [ ص: 481 ] العين ونهكت ، لا صام من صام الأبد ، صوم ثلاثة أيام من الشهر صوم الشهر كله .

                                                قلت : فإني أطيق أكثر من ذلك ، قال : فصم صوم داود - عليه السلام - وكان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى "
                                                .

                                                السادس عشر : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي ، عن سريج -بضم السين المهملة وفتح الراء وفي آخره جيم - بن النعمان الجوهري شيخ البخاري ، عن هشيم بن بشير ، عن حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ومغيرة بن مقسم الضبي ، كلاهما عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو .

                                                وهذا أيضا صحيح .

                                                وأخرجه البخاري : ثنا محمد بن بشار ، ثنا غندر ، ثنا شعبة ، عن مغيرة ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - عليه السلام - قال : "صم من الشهر ثلاثة أيام ، قال : أطيق أكثر من ذلك ، فما زال حتى قال : صم يوما وأفطر يوما ، فقال : اقرأ القرآن ، في كل شهر ، قال : إني أطيق أكثر من ذلك ، فما زال حتى قال : في ثلاث " .

                                                وأخرجه النسائي وقال فيما قرأ علينا أحمد بن منيع : قال : ثنا هشيم ، قال : ثنا حصين ومغيرة ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو ، قال رسول الله - عليه السلام - : "أفضل الصيام : صيام داود - عليه السلام - ، كان يصوم يوما ، ويفطر يوما " .

                                                وأما حديث أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله - عليه السلام - .

                                                فأخرجه بإسناد صحيح على شرط مسلم : عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير البصري روى له الجماعة ، عن أبيه جرير بن حازم البصري ، روى له

                                                [ ص: 482 ] الجماعة ، عن غيلان بن جرير المعولي البصري روى له الجماعة ، عن عبد الله بن معبد الزماني البصري ، روى له الجماعة سوى البخاري ، عن أبي قتادة .

                                                وأخرجه مسلم مطولا : ثنا يحيى التيمي وقتيبة بن سعيد جميعا ، عن حماد . . . إلى آخره .

                                                وقد ذكرناه في باب : "صوم عاشوراء " ، فإن الطحاوي : أخرج هذا الحديث هناك من ثلاث وجوه ، وقد حققناه .

                                                قوله : "وددت " أي : أحببت .

                                                "أني طوقت ذلك " أي : قدرت على ذلك ، أي : على صوم يوم وإفطار يومين .

                                                وطوقت على صيغة المجهول .

                                                وقال ابن الأثير : معناه : ليته جعل داخلا في طاقتي وقدرتي ، ولم يكن عاجزا في ذلك غير قادر عليه لضعف فيه ، ولكن يحتمل أنه خاف العجز للحقوق التي تلزمه لنسائه ; فإن إدامة الصوم تخل بحظوظهن فيه .

                                                وقال القاضي عياض : قيل : وجهه في حق غيره لا بعجز نفسه فقد كان - عليه السلام - يواصل ويقول : "إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني " لكن قال هذا لما يلزمه من حقوق نسائه أو يكون هذا التمني لغيره من أمته ; والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية