الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3266 ص: وقد روي عن ابن عمر في الأمر بصوم يوم عرفة ما حدثنا ابن أبي داود ، قال : ثنا سهل بن بكار ، قال : ثنا أبو عوانة ، قال : ثنا رقبة ، عن جبلة بن سحيم قال : "سمعت ابن عمر يسأل عن صوم يوم الجمعة ويوم عرفة ، فأمر بصيامهما " .

                                                التالي السابق


                                                ش: ذكر هذا تأييدا للتأويل الذي ذكره في حديث ابن عمر السابق ; وذلك لأن خبره فيه لو كان عاما لما أمر في هذا الحديث بصوم يوم عرفة ، فحيث أمر علم أن ذاك محمول على الصوم بالموقف .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح : عن إبراهيم بن أبي داود ، عن سهل بن بكار الدارمي شيخ البخاري وأبي داود ، عن أبي عوانة الوضاح اليشكري ، عن رقبة بن مصقلة العبدي الكوفي ، عن جبلة بن سحيم التيمي الكوفي .

                                                ومما يستفاد منه : عدم كراهة صوم يوم الجمعة ، ولكن منع جمهور العلماء صوم يوم الجمعة وحدها ; لتظاهر الأحاديث الصحيحة بالمنع عن ذلك ، وروي عن مالك أن صوم يوم الجمعة مستحب ، فهذا الأثر مما يقوي كلام مالك .

                                                وقال القاضي : قال مالك في "موطإه " : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة ، وصيامه حسن ، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه .

                                                قال الإمام : ذكر بعض الناس أنه محمد بن المنكدر ، وقال الداودي : لم يبلغ مالكا هذا الحديث ، وأراد بقوله - عليه السلام - " لا تخصوا يوم الجمعة بصيام إلا أن يكون في صوم

                                                [ ص: 384 ] يصومه أحدكم
                                                "
                                                ، وفي لفظ "إلا أن يصوم قبله أو بعده " رواه مسلم وغيره .

                                                ولو بلغه لم يخالفه .

                                                وقال القاضي : أخذ بظاهر الحديث الشافعي .

                                                وقال الترمذي : والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، يكرهون للرجل أن يختص يوم الجمعة بصيام لا يصوم قبله ولا بعده . وبه يقول أحمد وإسحاق .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى " : ولا يحل صوم يوم الجمعة إلا لمن صام يوما قبله أو يوما بعده ، فلو نذر إنسان كان نذره باطلا ، ولو كان إنسان يصوم يوما ويفطر يوما فجاء صومه في يوم الجمعة فليصمه . ثم نقل أن ذلك مذهب علي وأبي هريرة ومجاهد وإبراهيم النخعي والشعبي وابن سيرين .

                                                فإن قيل : ما الحكمة في منع صوم يوم الجمعة ؟

                                                قلت : قال المهلب : وجه النهي عنه خشية أن يستمر عليه فيفرض ، أو خشية أن يلزم الناس من تعظيمه ما التزم اليهود والنصارى في سبتهم وأحدهم في ترك العمل .




                                                الخدمات العلمية