الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3396 ص: وقد روي عن النبي - عليه السلام - ما يدل على استواء حكمه وحكم أمته في ذلك :

                                                ما حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، أن مالكا أخبره ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار : "أن رجلا قبل امرأته وهو صائم ، فوجد من ذلك وجدا شديدا ، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك ، فدخلت على أم سلمة زوج النبي - عليه السلام - فذكرت ذلك لها ، فأخبرتها أم سلمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - عليه السلام - كان يقبل وهو صائم ، فرجعت فأخبرت بذلك زوجها ، فزاده شرا ، وقال : لسنا مثل رسول الله - عليه السلام - يحل الله لرسوله ما شاء ، ثم رجعت المرأة إلى أم سلمة ، فوجدت رسول الله - عليه السلام - عندها فقال رسول الله - عليه السلام - : ما بال هذه المرأة ؟ فأخبرته أم سلمة ، فقال : ألا أخبرتها أني أفعل ذلك ؟ فقالت أم سلمة : قد أخبرتها ، فذهبت إلى زوجها

                                                [ ص: 514 ] فأخبرته فزاده شرا وقال : يحل الله لرسوله ما يشاء ، فغضب رسول الله - عليه السلام - وقال : " إني لأتقاكم لله -عز وجل- ، وأعلمكم بحدوده " .


                                                فدل ذلك على ما ذكرنا .

                                                فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : قد روي عن النبي - عليه السلام - ما يدل على أن حكمه - عليه السلام - وحكم أمته متساويان في حكم القبلة في الصوم ; لأن فعل الرسول - عليه السلام - كله يحسن التأسي به فيه على كل حال ; إلا أن يخبر أن ذلك له خاصة ، أو ينطق القرآن بذلك وإلا فالاقتداء به أقل أحواله أن يكون مندوبا إليه في جميع أفعاله ، ومن أهل العلم من رأى أن أفعاله واجب الاقتداء فيها كوجوب أوامره .

                                                وأخرجه بإسناد صحيح ولكنه مرسل .

                                                وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " : عن ابن جريج ، عن زيد بن أسلم . . . إلى آخره نحوه .

                                                وقال أبو عمر : هذا الحديث مرسل عند جميع رواة "الموطأ " عن مالك ، وهذا المعنى أن رسول الله - عليه السلام - كان يقبل وهو صائم صحيح من حديث عائشة وأم سلمة وحفصة رضي الله عنهن : يروى عنهن كلهن ، وعن غيرهن ، عن النبي - عليه السلام - من وجوه ثابتة .

                                                ومما يستفاد منه : جواز القبلة للصائم في رمضان وغيره ; شابا كان أو شيخا على عموم الحديث وظاهره ; لأنه - عليه السلام - لم يقل للمرأة : هل زوجك شيخ أو شاب ؟ وهو المبين عن الله مراده من عباده .

                                                [ ص: 515 ] وفيه : إيجاب العمل بخبر الواحد الثقة ذكرا كان أو أنثى ، وعلى ذلك جماعة أهل الفقه والحديث .

                                                قال أبو عمر : ومن خالف ذلك فهو عند الجميع مبتدع ، والله أعلم .




                                                الخدمات العلمية