الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3331 3332 ص: حدثنا أحمد بن داود ، قال : ثنا عبد الله بن محمد التيمي ، قال : ثنا حماد ، عن ثابت ، عن مطرف بن عبد الله ، عن عمران بن الحصين : " أن رسول الله - عليه السلام - قال لرجل : هل صمت من سرر شعبان ؟ قال : لا ، قال : فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين " .

                                                حدثنا أحمد ، قال : ثنا عبيد الله ، قال : ثنا حماد ، عن الجريري ، عن أبي العلاء ، عن مطرف بن عبد الله -هو ابن الشخير- عن عمران ، عن النبي - عليه السلام - مثله . غير أنه قال : "صم يوما " .

                                                قال أبو جعفر -رحمه الله- : وهذا في آخر شعبان .

                                                ففي هذه الآثار من أمر رسول الله - عليه السلام - أمته ما قد وافق فعله .

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان صحيحان :

                                                الأول : عن أحمد بن داود المكي ، عن عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي البصري -المعروف بالعيشي والعائشي وبابن عائشة - شيخ أبي داود ، وعن أبي حاتم : صدوق ثقة .

                                                عن حماد بن سلمة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري البصري -روى له الجماعة- عن عمران بن الحصين .

                                                [ ص: 462 ] وأخرجه أبو داود : نا موسى بن إسماعيل ، قال : نا حماد ، عن ثابت ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين : " أن رسول الله - عليه السلام - قال لرجل : هل صمت من سرر شعبان ؟ قال : لا ، قال : إذا أفطرت فصم يومين " .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا هداب بن خالد ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن مطرف -ولم أفهم مطرفا من هداب- عن عمران بن حصين أن رسول الله - عليه السلام - قال له أو لآخر : "أصمت من سرر شعبان ؟ قال : لا ، قال : فإذا أفطرت فصم يومين " .

                                                الثاني : عن أحمد بن داود المكي ، عن عبيد الله بن محمد التيمي ، عن حماد بن سلمة ، عن سعيد بن إياس الجريري -بضم الجيم وفتح الراء- عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير ، عن أخيه مطرف بن عبد الله بن الشخير -بكسر الشين وتشديد الخاء المعجمتين- عن عمران بن حصين .

                                                وأخرجه أبو داود : عن موسى بن إسماعيل ، عن حماد ، عن سعيد الجريري ، عن أبي العلاء ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين أن رسول الله - عليه السلام - قال لرجل : "هل صمت من سرر شعبان ؟ قال : لا ، قال : فإذا أفطرت فصم يوما " .

                                                وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضا : ثنا الصلت بن محمد ، قال : أنا مهدي ، عن غيلان (ح).

                                                وثنا أبو النعمان ، نا مهدي بن ميمون ، قال : ثنا غيلان بن جرير ، عن مطرف ، عن عمران بن حصين ، عن النبي - عليه السلام - : "أنه سأله -أو سأل رجلا وعمران يسمع- فقال : يا أبا فلان أما صمت سرر هذا الشهر ؟ قال : أظنه قال : -يعني رمضان- قال الرجل : لا يا رسول الله ، قال : فإذا أفطرت فصم يومين " لم يقل الصلت : أظنه يعني رمضان .

                                                [ ص: 463 ] قوله : "من سرر شعبان " السرر -بفتح السين المهملة والراء- ليلة يستسر الهلال ، يقال : سرار الشهر وسراره -بالكسر والفتح- وسرره .

                                                قال ابن الأثير : في الحديث : "صوموا الشهر وسره " ، أي : أوله ، وقيل : مستهله ، وقيل : وسطه ، وسر كل شيء جوفه ، فكأنه أراد الأيام البيض ، قال الأزهري : لا أعرف السر بهذا المعنى ، إنما يقال : سرار الشهر وسراره وسرره وهو آخر ليلة يستسر الهلال بنور الشمس ، ومنه الحديث : "هل صمت من سرار هذا الشهر شيئا " ؟ .

                                                وقال القاضي : وأنكر بعضهم ما قال أبو عبيد : إن سرر الشهر آخره حين يستسر الهلال ، وقال : لم يأت في صيام آخر الشهر من شعبان حض ، والسرار من كل شيء وسطه .

                                                وقال أبو داود عن الأوزاعي : سره : أوله ، ولم يعرف الأزهري سره أوله ، وقال الهروي : والذي يعرف الناس أن سره آخره ، وكذا رواه الخطابي عن الأوزاعي أيضا من غير طريق أبي داود : سره : آخره .

                                                ويقال : سراره وسرره وسره ، ويعضد قول من قال : إنه وسطه رواية من روى في الحديث من رواية عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي "سرته " وعند شيخنا القاضي الشهيد في حديث ابن أبي شيبة "سرره " بالضم ، ولغيره بالكسر ، والسرر جمع سرة ، وسرارة الوادي وسطه ، وخير موضع فيه ، وقال ابن السكيت : سرار الأرض : أكرمها ووسطها ، وسرار كل شيء وسطه وأفضله ، وقد يكون سرار الشهر من هذا ، أي : أفضل أيامه .

                                                قال القاضي : والأظهر في تفسير سرار الشهر أنه آخره بدليل قوله - عليه السلام - : "فإذا أفطرت من رمضان فصم يوما أو يومين " والشهر المشار إليه هو شعبان ، كذا جاء مفسرا في "الأم " وغيرها ، وإن كان وقع في البخاري فيه أنه رمضان ، فهو وهم بين

                                                [ ص: 464 ] من رواته ; لأن صوم رمضان كله مستحق ، ولا يختص بسرره دون غيره ، وإن كان السرر أول شعبان أو وسطه لم يفته قضاؤها في بقيته ولم يحتج أن ينتظر تمام صيام رمضان ، فالأظهر أنه آخر أيامه على ما قال أبو عبيد ، وأكثرهم وإن كان يحتمل ذلك أن النبي - عليه السلام - قال ذلك في انسلاخه أو بعد تمامه ، ولا سيما على رواية "أصمت من سرر شعبان شيئا " .

                                                فإن قيل : هذا الحديث يعارضه ويخالفه قوله - عليه السلام - : " لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين " .

                                                قلت : قد أجيب عن هذا بأنه محمول على أن الرجل كان ممن اعتاد الصوم في سرر الشهر أو نذر ذلك وخشي أن يكون إذا صام آخر شعبان دخل في النهي فيكون فيما قال - عليه السلام - دليل على أنه لا يدخل في هذا الذي نهى عنه من تقدم الشهر بالصوم ، وأن المراد بالنهي من هو على غير حالته .

                                                وقال الخطابي : كان بعض أهل العلم يقول في هذا : إن سؤاله زجر وإنكار ; لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بصوم يوم أو يومين . قال : ويشبه أن يكون هذا الرجل قد أوجبه على نفسه بنذر فلذلك قال له في سياق الحديث : "إذا أفطرت -يعني من رمضان- فصم يومين " فاستحب له الوفاء بهما .




                                                الخدمات العلمية