الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3215 3216 ص: قال أبو جعفر -رحمه الله- : فذهب قوم إلى الإفطار في شهر رمضان في السفر ، وزعموا أنه أفضل من الصيام . واحتجوا في ذلك بهذه الآثار ، حتى قال بعضهم : إن صام في السفر لم يجزه الصوم وعليه قضاؤه في أهله ، ورووا عن عمر - رضي الله عنه - :

                                                حدثنا ابن أبي عقيل ، قال : ثنا سفيان ، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم ، عن عبد الله بن عامر : "أن عمر - رضي الله عنه - أمر رجلا صام في السفر أن يعيد " .

                                                ورووه عن أبي هريرة :

                                                حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا زهير ، قال : ثنا عبد الكريم ، عن عطاء ، عن المحرر بن أبي هريرة قال : "صمت رمضان في السفر ، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي " .

                                                [ ص: 330 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 330 ] ش: أراد بالقوم هؤلاء : سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشعبي ومجاهدا وقتادة وأبا جعفر محمد بن علي والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق ; فإنهم قالوا : الفطر في السفر أفضل من الصوم . واحتجوا في ذلك بالأحاديث المذكورة .

                                                وقال ابن العربي : قالت الشافعية : الفطر أفضل في السفر .

                                                وقال أبو عمر : قال الشافعي : هو مخير ، ولم يفضل وكذلك قال ابن علية .

                                                وقال الترمذي : قال الشافعي : وإنما معنى قول النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصوم في السفر " ، وقوله حين بلغه أن ناسا صاموا فقال : "أولئك العصاة "

                                                فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى ، فأما من رأى الفطر مباحا وصام وقوي على ذلك فهو أعجب إلي .

                                                وقال القاضي : مذهب الشافعي أن الصوم أفضل .

                                                وقال أبو عمر : وروي عن ابن عمر وابن عباس أن الرخصة أفضل . وممن كان لا يصوم في السفر حذيفة ، وروي عن ابن عباس من وجوه : "إن شاء صام ، وإن شاء أفطر " .

                                                قوله : "حتى قال بعضهم " أراد به الحسن البصري والظاهرية ، فإنهم قالوا : إن صام في السفر لم يجز صومه وعليه أن يعيده إذا أقام .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى " : من سافر في رمضان سفر طاعة أو معصية أو لا طاعة ولا معصية ففرض عليه الفطر إذا جاوز ميلا أو بلغه أو واراه ، وقد بطل صومه حينئذ لا قبل ذلك ، ويقضي بعد ذلك في أيام أخر ، وله أن يصومه تطوعا ، أو عن واجب لزمه ، أو قضاء عن رمضان ، وإن وافق فيه يوم نذره صامه لنذره .

                                                وقالت الظاهرية : إذا لم يكن الصوم في السفر من البر يكون من الإثم .

                                                [ ص: 331 ] وقال أبو عمر : يروى ذلك عن عمر وابن عمر وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عوف وابن عباس على اختلاف عنه .

                                                قلت : قد ذكر الطحاوي عن عمر وأبي هريرة .

                                                أما الذي روي عن عمر : فقد أخرجه عن عبد الغني بن رفاعة بن عبد الملك بن أبي عقيل المصري شيخ أبي داود أيضا ، عن سفيان بن عيينة ، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني فيه مقال ، قال أحمد : ليس بذاك . وعن يحيى : ضعيف . وقال أبو حاتم : منكر الحديث مضطرب الحديث ، ليس له حديث يعتمد عليه . وقال الدراقطني : مدني يترك وهو مغفل . وقال العجلي : لا بأس به . وروى له الأربعة : النسائي في "اليوم والليلة " .

                                                وهو يروي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العنزي ، وهو أدرك النبي - عليه السلام - ومات وهو ابن خمس سنين . قال ابن منده : وهو يروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل ، عن أبيه : "أن رجلا صام في رمضان في السفر ، فأمره عمر - رضي الله عنه - أن يعيد " .

                                                وأما الذي روي عن أبي هريرة : فأخرجه عن فهد ، عن أبي غسان مالك بن إسماعيل النهدي شيخ البخاري ، عن زهير بن معاوية ، عن عبد الكريم بن مالك الجزري الحراني ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن المحرر-براءين مهملتين الأولى مشددة مفتوحة - عن أبي هريرة .

                                                وهذا إسناد حسن .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : نا الفضل بن دكين ، عن زهير ، عن عبد الكريم ، عن عطاء ، عن المحرر بن أبي هريرة قال : "صمت في رمضان في السفر ، فأمرني أبو هريرة أن أعيد الصيام في أهلي " .

                                                [ ص: 332 ] وأما الذي روي عن ابن عمر : فأخرجه ابن حزم في "المحلى " : من طريق حماد بن سلمة ، عن كلثوم بن جبر : "أن امرأة صحبت ابن عمر في سفر ، فوضع الطعام فقال لها : كلي . قالت : إني صائمة ، قال : لا تصحبينا " .

                                                وأما الذي روي عن عبد الرحمن بن عوف : فأخرجه ابن حزم أيضا : من طريق أبي معاوية ، ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه قال : "الصائم في السفر كالمفطر في الحضر " .

                                                ثم قال : هذا إسناد في غاية الصحة .

                                                وأما الذي روي عن ابن عباس : فأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " : ثنا أبو داود الطيالسي ، عن عمران القطان ، عن عمار مولى بني هاشم ، ابن عباس : "أنه سئل عن رجل صام رمضان في سفر ، فقال : لا يجزئه " .




                                                الخدمات العلمية