الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3005 3006 3007 ص: واحتج أهل المقالة الأولى لمذهبهم أيضا بما حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا جعفر بن عون ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي ، قال :

                                                [ ص: 15 ] حدثني رجلان من قومي : "أنهما أتيا النبي - عليه السلام - وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع البصر وخفضه ، فرآهما جلدين قويين فقال : إن شئتما ، فعلت ولا حق فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .

                                                حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو بن الحارث ، والليث بن سعد ، عن هشام بن عروة . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد وهمام ، عن هشام . . . فذكر بإسناده مثله .

                                                فقالوا : فقد قال لهما : "لا حق فيها لقوي مكتسب " .

                                                فدل ذلك على أن القوي المكتسب لا حظ له في الصدقة ولا تجزي من أعطاه منها شيئا .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : احتج أهل المقالة الأولى لما ذهبوا إليه أيضا بما رواه عبيد الله بن عدي عن رجلين من الصحابة - رضي الله عنهم - .

                                                وأخرجه من ثلاث طرق صحاح :

                                                الأول : عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو بن حريث القرشي الكوفي روى له الجماعة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير بن العوام ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي النوفلي أحد التابعين الكبار المولودين في زمن النبي - عليه السلام - ، عن رجلين من الصحابة .

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا مسدد ، ثنا عيسى بن يونس ، ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، أخبرني رجلان : "أنهما أتيا النبي - عليه السلام - في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها ، فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين ، فقال : إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب " .

                                                [ ص: 16 ] الثاني : عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث المصري والليث بن سعد ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث ابن عيينة ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي . . . إلى آخره نحوه .

                                                وأخرجه النسائي أيضا .

                                                الثالث : عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن الحجاج بن منهال الأنماطي ، عن حماد بن سلمة وهمام بن يحيى ، كلاهما عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : ثنا عبد الرحيم وابن نمير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار ، قال : "أخبرني رجلان أتيا النبي - عليه السلام - يسألانه من الصدقة ، قال : فرفع البصر وصوبه ، فقال : إنكما لجلدان ، فقال : إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب " .

                                                قوله : "جلدين " . بفتح الجيم وسكون اللام تثنية جلد ، وهو الرجل القوي ، من الجلد -بفتح اللام- وهو القوة والصبر ، تقول منه : جلد الرجل -بالضم- فهو جلد وجليد بين الجلد والجلادة والجلودة .

                                                قوله : "فقالوا" أي : أهل المقالة الأولى ، "فقد قال" أي : النبي - عليه السلام - "لهما" أي لهذين الرجلين "لا حق فيها" أي في الصدقة "لقوي مكتسب " ، فدل على أنه لا حظ له في الصدقة وأن من عليه الصدقة إذا أعطاه منها شيئا لا يجزئه ذلك .

                                                وقال الخطابي : هذا الحديث أصل في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على العدم ، وفيه أنه لم يعتبر في منع الزكاة ظاهر القوة والجلد دون أن يضم إليه الكسب

                                                [ ص: 17 ] فقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة الكسب ، وقد يكون من الناس من يرجع إلى قوة بدنه ويكون مع ذلك أخرق اليد لا يعتمل ، فمن كان هذا سبيله لم يمنع الصدقة ، بدلالة الحديث ، وقد استظهر - عليه السلام - مع هذا في أمرهما بالإنذار ، وقلدهما الأمانة فيما بطن من أمرهما .




                                                الخدمات العلمية