الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3034 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى في حديث زينب الذي احتجوا به عليهم : أن تلك الصدقة التي حض عليها رسول الله - عليه السلام - في ذلك الحديث إنما كانت من غير الزكاة ، وقد بين ذلك ما قد حدثنا يونس قال : ثنا عبد الله بن يوسف قال : أنا الليث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن رائطة

                                                [ ص: 69 ] بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود
                                                وكانت امرأة صنعا وليس لعبد الله بن مسعود مال ، وكانت تنفق عليه وعلى ولده منها ، فقالت : لقد شغلتني والله أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق معكم بشيء . فقال : ما أحب إن لم يكن لك في ذلك أجر إن تفعلي ، فسألت رسول الله - عليه السلام - هي وهو ، فقالت : يا رسول الله إن امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لولدي ولا لزوجي شيء ، فشغلوني فلا أتصدق ، فهل لي فيهم أجر ؟ فقال : لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم ، فأنفقي عليهم
                                                .

                                                ففي هذا الحديث أن تلك الصدقة مما لم تكن فيه زكاة ، ورائطة هذه هي زينب امرأة عبد الله لا نعلم أن عبد الله كانت له امرأة غيرها في زمن رسول الله - عليه السلام - ، والدليل على أن تلك الصدقة كانت تطوعا كما ذكرنا قولها ; كنت امرأة صنعا أصنع بيدي فأبيع من ذلك فأنفق على عبد الله " فكان قول رسول الله - عليه السلام - الذي في هذا الحديث وفي الحديث الأول جوابا لسؤالها هذا ، وفي حديث رائطة هذا : "كنت أنفق من ذلك على عبد الله وعلى ولده مني " ، وقد أجمعوا أنه لا يجوز للمرأة أن تنفق على ولدها من زكاتها ، فلما كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزكاة فكذلك ما أنفقت على زوجها ليس هو أيضا من الزكاة .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وكان من الحجة والبرهان للآخرين على أهل المقالة الأولى ، وأراد بذلك الجواب عن حديث زينب الذي احتجت به أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه .

                                                بيان ذلك : أن المراد من الصدقة التي حض عليها رسول الله - عليه السلام - في حديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما - هو صدقة التطوع لا الفرض .

                                                والدليل عليه حديث عبيد الله بن عبد الله عن رائطة بنت عبد الله وهي زينب المذكورة امرأة عبد الله بن مسعود فإنها قالت فيه : "كنت أنفق من ذلك على عبد الله وعلى ولده مني " وقد أجمع الخصوم كلهم أنه لا يجوز للمرأة أن تنفق على ولدها من الزكاة ، فإذا كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزكاة فكذلك لا يكون ما أنفقت على زوجها من الزكاة ، فحينئذ لا يستقيم استدلالهم بالحديث المذكور لما ذهبوا إليه .

                                                [ ص: 70 ] فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد من الصدقة التطوع في حق ولدها وصدقة الفرض في حق زوجها عبد الله ؟

                                                قلت : لا مساغ لذلك ; لاجتماع الحقيقة والمجاز حينئذ ، وهذا لا يجوز .

                                                ثم إسناد حديث عبيد الله بن عبد الله صحيح ، ورجاله كلهم رجال الصحيح .

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه " : من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه ، أنه أخبره عبد الله بن عبيد الله ، عن ريطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود وأم ولده قالت : "والله لقد أنت وولدك عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق معكم . قال : فما أحب إن لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي فسألت رسول الله - عليه السلام - هي وهو فقالت : يا رسول الله إني امرأة ذات صنعة أبيع منها ، وليس لي ولا لولدي ولا لزوجي شيء ، فشغلوني فلا أتصدق ، فهل لي في ذلك أجر ؟ فقال : لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم ، فأنفقي عليهم " انتهى .

                                                قوله : "صنعا " بفتح الصاد والنون وهي التي تعمل بيديها .

                                                قوله : "أن تفعلي " بفتح همزة "أن " وهي مصدرية في محل النصب ; لأنه مفعول لقوله : "ما أحب " أي : ما أحب فعلك إن لم يكن لك أجر ، وأراد به فعل الصدقة عليه وعلى ولده منها .

                                                قوله : "هي وهو " . إنما ذكر هي ليصح عطف هو على ما قبله ; لأن الضمير المتصل لا يعطف عليه إلا بإعادة الضمير المنفصل ; وذلك لئلا يكون عطف الاسم على الفعل .

                                                قوله : " ورائطة هذه هي زينب . . . إلى آخره " جواب عما يقال : إن الحديثين في قضيتي امرأتين ; لأن المذكورة في الحديث الأول هي زينب ، وفي هذا الحديث هي رائطة . فأجاب عنه بأن رائطة هي زينب المذكورة في ذاك الحديث ، وقد

                                                [ ص: 71 ] قلنا : إن رائطة أو ريطة لقب لزينب المذكورة ، فمن ادعى أنهما امرأتان ولهما قضيتان فعليه البيان .




                                                الخدمات العلمية