الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3036 ص: وإنما نلتمس حكم ذلك بعد من طريق النظر وشواهد الأصول ، فاعتبرنا ذلك فوجدنا المرأة باتفاقهم لا يعطيها زوجها من زكاة ماله وإن كانت فقيرة ولم تكن في ذلك كغيرها ; لأنا رأينا الأخت يعطيها أخوها من زكاته إذا كانت فقيرة ، وإن كان على أخيها أن ينفق عليها ولم تخرج بذلك من حكم من يعطى من الزكاة فثبت بذلك أن الذي يمنع الزوج من إعطاء زوجته من زكاة ماله ليس هو وجوب النفقة عليه ، ولكنه السبب الذي بينه وبينها ، فصار ذلك كالسبب الذي بينه وبين والديه في منع ذلك إياه من إعطائهما من الزكاة ، فلما ثبت بما ذكرنا أن سبب المرأة الذي منع زوجها أن يعطيها من زكاة ماله وإن كانت فقيرة ، هو كالسبب الذي بينه وبين والديه الذي يمنعه من إعطائهما من زكاته وإن كانا فقيرين .

                                                ورأينا الوالدين لا يعطيانه أيضا من زكاتهما إذا كان فقيرا ، فكان الذي بينه وبين والديه من السبب يمنعه من إعطائهما من الزكاة ، ويمنعهما من إعطائه من الزكاة .

                                                فكذلك السبب الذي بين الزوج والمرأة لما كان يمنعه من إعطائها من الزكاة كان أيضا يمنعها من إعطائه من الزكاة ، وقد رأينا هذا السبب بين الزوج والمرأة يمنع من قبول شهادة كل واحد منهما لصاحبه ، فجعلا في ذلك كذوي الرحم المحرم الذي لا

                                                [ ص: 75 ] تجوز شهادة كل واحد منهما لصاحبه ورأينا أيضا كل واحد منهما لا يرجع فيما وهب لصاحبه في قول من يجيز الرجوع في الهبة فيما بين الغريبين ، فلما كان الزوجان فيما ذكرنا قد جعلا كذوي الرحم المحرم فيما منع فيه من قبول الشهادة ومن الرجوع في الهبة ، كانا في النظر أيضا في إعطاء كل واحد منهما صاحبه من الزكاة كذلك .

                                                فهذا هو النظر في هذا الباب ، وهو قول أبي حنيفة - رضي الله عنه - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي : وإنما نطلب حكم دفع المرأة زكاتها إلى زوجها بعد أن علم حكمه بالآثار من طريق النظر والقياس .

                                                والحاصل : أن القياس وشواهد الأصول أيضا دلت على عدم جواز إعطاء المرأة زكاتها لزوجها ، وبيان وجه ذلك بما هو ظاهر لا يحتاج إلى زيادة البيان .

                                                وأشار أن السبب في عدم جواز ذلك ليس وجوب النفقة لها عليه ، إذ لو كان هو السبب في ذلك لكان دفع الرجل زكاته إلى أخته الفقيرة غير جائز لوجوب نفقتها عليه ، بل السبب في ذلك هو اتصال منافع الأملاك بينهما ، ألا ترى أن كل واحد منهما ينتفع بمال صاحبه كما ينتفع بمال نفسه عرفا وعادة ؟ ! فحينئذ لا يتكامل معنى التمليك الذي هو شرط في الزكاة ، والدليل على ذلك عدم قبول شهادة أحدهما للآخر ، فهذا السبب ها هنا كالسبب الذي بين الأبوين وأولادهما في منع جواز أداء زكاة كل منهم إلى الآخر ، ومنع قبول الشهادة من كل منهم للآخر .

                                                قوله : "وقد رأينا هذا السبب " أشار به إلى السبب المذكور ، وهو اتصال منافع الأملاك .

                                                قوله : "ورأينا أيضا كل واحد منهما " أي من الزوجين "لا يرجع فيما وهب لصاحبه في قول من يجيز الرجوع في الهبة " وهو قول أبي حنيفة وأصحابه "فيما بين الغريبين " أي : الأجنبيين ; لأن عندهم أن الواهب لأجنبي يجوز له الرجوع في هبته ما داما باقيين والعين باقية ، ومع هذا لم يجوزوا الرجوع فيها من أحد الزوجين على الآخر مع كونهما أجنبيين ، ولكن لما ذكرنا من السبب منع ذلك فصارا كالقريبين -بالقاف- اللذين لا يجزئ الرجوع بينهما في الهبة ، فافهم .




                                                الخدمات العلمية