الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 387 ] 3270 ص: باب : صوم يوم عاشوراء

                                                التالي السابق


                                                ش: أي هذا باب في بيان صوم يوم عاشوراء .

                                                وعاشوراء على وزن فاعولاء ، وهو من أبنية المؤنث صفة لليوم والليلة يضاف إليها .

                                                وقال الخليل : هو اليوم العاشر ، ويقال : التاسع ، فعلى هذا هو صفة لليوم وهو في التاسع من إضافة الشيء إلى نفسه كمسجد الجامع .

                                                وقال أبو عمر الزاهد في كتاب "يوم وليلة " : إن العرب تقدم في الأشهر النهار إليها قبل الليل ، وتجعل الليلة المستقبلة لليوم الماضي . وهذا هو الوجه في وقوع عاشوراء صفة للتاسع .

                                                وقال بعضهم : إضافته لليلة أصح . وقال الحربي وغير واحد : هو العاشر .

                                                وقيل : سمي التاسع عاشوراء على عادة العرب في الورد ، وأنه مأخوذ من إعشار الإبل ، وكانت إذا وردت لتسعة أيام سموه عشرا ; وذلك أنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد ، فإذا أقامت في الرعي يومين ثم وردت في الثالث قالوا : وردت ربعا ، وإن رعت ثلاثا ووردت في الرابع قالوا : وردت خمسا ; لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي ، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده .

                                                وقال ابن الأثير : عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ، وهو اسم إسلامي ، وليس في كلامهم فاعولاء بالمد غيره ، وقد ألحق به تاسوعاء وهو تاسع المحرم ، وقيل : إن عاشوراء هو التاسع مأخوذ من العشر في أوراد الإبل ، تقول العرب : وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع .

                                                وقال الجوهري : ويوم عاشوراء وعشوراء أيضا ممدودان .

                                                [ ص: 388 ] وحكى أبو عمرو الشيباني فيه القصر . وقال أبو منصور اللغوي : عاشوراء ممدود ولم يجئ فاعولاء في كلام العرب إلا عاشوراء ، والضاروراء اسم للضراء ، والساروراء اسم للسراء ، والدالولاء اسم للدالة ، وحابوراء اسم موضع .

                                                ثم العاشوراء في المشهور هو اليوم العاشر من المحرم كما ذكرناه ، وقال ابن عباس وآخرون : إنه اليوم التاسع ، وقال أبو الليث السمرقندي بعد أن ذكر القولين : وقال بعضهم : هو يوم الحادي عشر ، وفي "الأحكام " لابن بزيرة : وقد اختلف الصحابة فيه هل هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر ؟ وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون ، وفيه استوت السفينة على الجودي ، وفيه تاب الله سبحانه على آدم ، وفيه ولد عيسى - عليه السلام - ، وفيه نجى الله يونس من بطن الحوت ، وفيه تاب الله على قومه ، وفيه أخرج يوسف - عليه السلام - من الجب ، وفيه تكسى الكعبة ، وفيه صامت الوحوش . ولا يبعد أن يجعل الله لها صياما خاصا كما كان صيام بعض الأمم قبلنا بترك الكلام فقط .

                                                وبالجملة هو يوم عظيم معلوم القدر عند الأنبياء عليهم السلام والنفقة فيه مخلوفة ، وقد روينا بالإسناد إلى جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - عليه السلام - : " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه بقية عامه . قال لجابر : جربناه فوجدناه صحيحا . وقال الراوي عن جابر : جربناه فوجدناه كما قال جابر - رضي الله عنه - " انتهى .

                                                [ ص: 389 ] وذكر الاختلاف في تسمية عاشوراء ، فقال بعضهم : إنما سمي عاشوراء لأنه عاشر المحرم ، وقال بعضهم : لأن الله أكرم فيه عشرة من الأنبياء بعشر كرامات ، وقال بعضهم : لأنه عاشر كرامة أكرم الله تعالى بها هذه الأمة .




                                                الخدمات العلمية