الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            ثانيا: دور الإعلام في تحقيق التفاعل الحضاري:

            يمكن النظر إلى وسائل الإعلام، من خلال تأثيرها في الجماهير، باعتبارها وسائط تربوية "ذات أثر فعال في تكوين اتجاهات الرأي العام، فعن طريقها تنتشر شتى المعارف والمفاهيم والمعاني لكثير من مجالات العلم والمعرفة المتصلة بجوانب الحياة من خلال وسائل مشوقة ومحببة للجمهور" [1] .

            فلولا الإعلام "لما وصلت الحضارات البشرية إلى ما وصلت إليه من الرقي، فأهمية الإعلام تكمن في أنه يعتبر أداة رئيسية لنقل الثقافات إلى مختلف قطاعات المجتمع... فالأمي مثلا يستطيع أن يتابع وسائل الإعلام، وخاصة المسموعة منها، والمرئية، ويجد فيها بغيته، في حين يعجز عن متابعة أحداث العالم في حالة غياب تلك الوسائل الإعلامية، فهي تهبه القدرة على إدراك مواقف جديدة، وأساليب معيشية مختلفة عن الأساليب، التي يمارسها بالفعل" [2] . [ ص: 117 ]

            وبذلك، أصبح الإعلام سلاحا خطيرا في حلبات الصراع الدولي، ولاسيما بعد أن توفرت له وسائل متطورة، منحته القدرة على الوصول إلى أي كان بسهولة وبساطة.. فحظي باهتمام كبير من جانب الدول والمجتمعات والهيئات في عالمنا المعاصر، وأصبحت الرسالة الإعلامية تحمل فكر مرسلها، وتعمل في كافة مجالات النشاط الإنساني، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فكان الإعلام بذلك قوة تتنافس على السيطرة عليها قوى الخير وقوى الشر.. إلا أن قوى الشر نجحـت في السيطـرة على وسائل الإعلام المختلفـة بطريقـة مباشرة أو غير مباشرة، مما أتاح "لهذه القوى الشريرة نشر باطلها، وانحرافاتها، على جميع المستويات والطبقات" [3] ، وأصبحت المجتمعات الإسلامية "تعاني من التسلط البشري في الصحـافة وسائر وسائل الإعلام ووكالات الأنباء، وتعاني في البيت، وفي الشارع، وفي أمور كثيرة" [4] .

            وكان من نتائج سيطرة الغرب على وسائل الاتصال أن نشطت تلك الوسائل في التـرويج لنمط العيـش الغربي "بما فيه من ثقافة، وممارسات دينية، لا تخلو منها المصطلحات، والأمثال، والسلوكيات، حتى أفلام الصور المتحركة (الكرتون) الموجهـة للأطفـال تصبـغ بـهذه الصبغة، التي تشعر المتـابع أحيانا أنـها مقـصـودة متـعمـدة، وتعمـد إلى تأليف المشاهدين والمستمعين والقراء [ ص: 118 ] على الثقـافة الغربية، التي لم تستـطع التخـلص من التأثير الديني عليها في معظم سلوكياتها، ومثلها ومبادئها، بل ربما لا تريد التخلص من هذا التأثير الديني، وتسعى إلى تعميقه وترسيخه ما دام سيحقق تبعية ثقافية تقود إلى تبعيات أخرى" [5] .

            وقد نجحت الولايات المتحدة والغرب بتطوير ما يعرف باسم "صناعة المعرفة والإعلام"، التي مكنتهم من فرض مزيد من السيطرة على العالم، فهم الذين يؤثرون على الرأي العام، في الوقت، الذي أصبح غيرهم عالة على مؤسساتهم الإعلامية، ذلك أن نسبة كبيرة جدا من "الأخبار والمعلومات، التي يتـم تداولها في العالـم بشـكل أو بآخر، يرد مـن الولايات المتحدة" [6] ، وهذا ما يؤكد، من وجه آخر، عظم الدور، الذي تضطلع به وسائل الإعلام بشكل عام والإعلام الغربي بشكل خاص في تحقيق التفاعل الحضاري.

            إن وسائل الإعلام من إذاعة وصحافة وتلفزيون وسينما ومسرح، وإنترنت، وأقمار اصطناعية، وبث فضائي، وصحافة دولية، ومؤسسات نشر، كلها تساهم في التفاعل الحضاري، إيجابا أو سلبا، فهي تستخدم في أغلب الأحيان لنشر الإلحاد والانحرافات السلوكية، والثقافة الغربية، وإن كانت [ ص: 119 ] مستخدمة لنشر الإسلام عالميا، ولكن بشكل محدود جدا، لا يكاد يقارن مع استعمالاتها الكبيرة في المجالات الأخرى. [7]

            ولهذا فقد آن الأوان لاستغلال وسائل الإعلام في التعريف بالإسلام، وإظهاره في صـورة مشرقـة، ودعوة الناس إليه، ورد الاتهامات والطعون الموجهة ضده.

            والخلاصة، أن الإعلام، بشكل عام، قد ساهم كثيرا في عملية التفاعل بين الأمم والحضارات، وزاحم المؤسسات التربوية التقليدية في توجيه النشء وخلق الاتجاهات والتأثير على المتربين بصورة مباشرة وغير مباشرة، إلا أن هذه المساهمة تنصب على الجانب السلبي والتي لا تقدم للتربية الصالحة شيئا يذكر، وهذا بدوره يؤكد لنا عظم المسؤولية الملقاة على عاتق المصلحين والمربين والتي تتمثل في أن يقوموا بواجبهم تجاه وسائل الإعلام، وذلك بتوجيه الإعلام نحو الوجهة الصحيحة. [ ص: 120 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية