الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            رابعا: دور الدعوة في تحقيق التفاعل الحضاري:

            الدعوة الإسلامية وسيلة مهمة للتفاعل الحضاري، ذلك أنها تعتبر أهم وسيلة لنشر الإسلام وحضارته وقيمه وتعاليمه إلى أصحاب الديانات الأخرى، وقد كانت الدعوة الإسلامية هي السبب، بعد الله تعالى، في دخول كثير من الأمم الأخرى دين الإسلام، بعدما رأو أن الإسـلام دين حق، يوافق الفطرة ولا يخالف العقل السليم، وقد كان لدخول تلك الأمم المختلفة الأجناس والعادات في الإسلام دور عظيم في تفاعل حضارات تلك الشعوب واقتباس بعضها من بعض، والتأثير والتأثر فيما بينها.

            وكانت الكتب، التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء الانفتاح الأول على العالم خارج الجزيرة العربية، وقد "توجه خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، باعتبارهما أعظم ملوك ذلك العصر، كما توجه إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى الغساسنة بالشام، والمقوقس بمصر، وبهذا فقد توجهت الدعوة الإسلامية في مختلف الاتجاهات: فاتجهت إلى الجنوب، وعبرت اليمن، ثم إلى الحبشة في أفريقيا، وعبرت المحيط الهندي إلى بلاد الشرق الأقصى، واتجهت إلى الشمال حيث عبرت بلاد الشام، واتجهت شرقا لتشرق على بلاد العراق، ثم إلى فارس وما وراءها، حتى وصلت الهند والصين، واتجهت غربا؛ لتعبر البحر الأحمر، وبدخولها مصر أمكن لها أن تعبر الحدود إلى المغرب، وأن تتوغل في غرب أفريقيا، على طول شاطئ المحيط الأطلسي... وهكذا صار فرق الدعاة تصول وتجول في العالم، معبرة عن حيوية الدعوة الجديدة، التي تستهدف تجديد [ ص: 127 ] العـقـيـدة، كمـا تـنـشر الـنـور في كل اتـجـاه، وتـبـني الحـضـارة الإسـلاميـة لخـيـر الإنسان" [1] .

            ومن جانب آخر كانت الدعوة الإسلامية حصنا حصينا، ودربا منيعا للإسلام وأهله، من أن تتسرب إليهم الأفكار الهدامة والأخلاق المستهجنة، فمـا أن تظـهر بدعـة، أو زنـدقـة، أو فـلسـفـة ذات طابع إلحادي وعلماني، إلا ووجد لها من الدعاة المخلصين من انبرى وتصدى لها، في فضح أباطيلها، وبيان زيفها، ورد شبهاتها، ودحض أفكارها، وبيان المذهب الصحيح، الذي كان عليه الصحابة وسلف هذه الأمة [2] .

            ولكي تحقق الدعوة الإسلامية غاياتها، ودورها في التفاعل الحضاري المنشود، ينبغي الاعتناء بكثير من الأمور المهمة، مثل:

            1- إبلاغ الدعوة إلى الأقطار القاصية والدانية، وعدم إهمال دعوة الكفار إلى دين الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( فو الله، لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) [3] . [ ص: 128 ]

            2- استخدام الطرق والوسائل والأساليب المشروعة والممكنة، لنشر الإسلام في الأرجاء المعمورة، وقد تيسرت المواصلات والاتصالات في هذا العصر، مما يحتم على الداعية أن يستغل تلك التقنية، ويستثمرها في صالح دعوته.

            3- الاهتمام باللغات الحية والتي ينطق بها كثير من الأمم؛ لأنها مفتاح أساس في إبلاغ هذا الدين إلى البشرية جميعا، قال تعالى: ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم ) (إبراهيم: 4)، ومعلوم أن الرسالات ختمت برسـالة سيد المرسلين وإمام المتقين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا نبي بعده، فوجب أن يقوم الدعـاة بـهذا الواجـب، فيبين كل داعية دعـوته بلسـان القـوم، الذين أراد دعوتهم.

            4- الاهتمام بالتربية والتزكية في الدعوة إلى الله، يقول الله تعالى في دعوة إبراهيم، عليه السلام: ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم ) (البقرة: 129)، وفي معرض امتنان الله على عباده يقول تعالى: ( كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون ) (البقرة: 151)، ويقول سبحانه: ( لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (آل عمران: 164)، ويقول سبحانه: ( هو الذي بعث في [ ص: 129 ] الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (الجمعة: 2)، ففي هذه الآيات قدم سبحانه التزكية على التعليم في ثلاثة مواضع؛ لأن التزكية هي مقصود التعليم، وأما في الموضع الأول في سورة البقرة، فلم يقدمها؛ لأن ذلك حكاية قول إبراهيم وإسماعيل، عليهما السلام.

            وهذا يؤكد أن الدعوة إلى الله والتربية الإسلامية "حلقتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض، فالتربية الإسلامية تمثل وسيلة الدعوة في الإيمان، والعبادة بجميع أنواعها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي الأخلاق الإسلامية، والسلوك والمعاملات الإنسانية، لذا ينبغي ربط المفاهيم التربوية بالدعوة إلى الله، وعدم الفصل بينهما، وأن ذلك جزء من الأمانة، التي يجب ذكرها وتوضيحها للنـاس، وهـذا يقتـضي من كل مرب أن يعـرض عـلومـه عـلى قواعـد الشرع - وأن لا ينبهر وينخدع بالغرب وأساليبه- فما وافق منها الشارع استفاد منه وطوره بما يلائم بيئته، وما خالف ذلك بين عواره وفساده" [4] . [ ص: 130 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية