الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            ثالثا: الفروق الجوهرية بين الحضارة الإسلامية والحضارات الأخرى:

            الاختلاف بين الأمم أمر ضروري، وفطرة بشرية، وحكمة إلهية، فالشعوب والأمم تختلف من نواح عديدة: من ناحية الخلقة والتكوين، ومن ناحية العادات والأعراف، ومن ناحية الدين والعقائد، ومن ناحية التمدن والتحضر، وغير ذلك من نواحي الاختلاف.

            وانطلاقا من هذا الاختلاف الطبيعي، فإنه توجد فروق جوهرية بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات مما يستدعي مراعاتها، حتى لا يحصل الذوبان وتغيب الخصوصية.. ومن أهم هذه الفروق:

            1- الاختلاف في المقاصد والغايات:

            إن مقاصد وأهداف الحضارة الإسلامية أسمى وأعظم من مقاصد وأهداف أي حضارة أخرى، ذلك أن مما تتميز به "الأولى عن الثانية، أن من أهم مقاصد الأولى: إعداد الإنسان الناجح في الحياة الدنيا والآخرة، بينما مقاصد الثانية: تنحصر في إعداد الإنسان الناجح في الحياة الدنيا فقط" [1] .

            2- الاختلاف في الاعتقاد:

            الاعتقاد فطرة، وذلك أن الإنسان مجبول على أن يعتقد، سواء كان اعتقـادا صحيـحا أو اعتقـادا باطلا، "فطبيعة الإنسان مجبولة على الإيمان، فإذا لم تقدم له أهداف صائبة سديدة، يركز حولها إيمانه وحبه، تحول إلى عبادة أهداف خاطئة فاسدة" [2] . [ ص: 156 ]

            إلا أن مرتكز هذا الاعتقاد يختلف من ديانة إلى ديانة، كما أن "أشكال السـلوك الـديني تختـلف اختـلافا كبيرا من مجتمـع إلى مجتمع آخر، فهناك فـروق لا تحصى فيما يتعلق بالمعتقدات والشعائر والجوانب الأخرى من الممارسة الدينية" [3] .

            3- الاختلاف في القيم والأخلاق:

            تأتي التربية الخلقية في مقدمة أولويات التربية لدى الدول على اختلاف أديانها وثقافتها للحفاظ على هويتها، فالأخلاق جزء من هوية الأمة، وتقوم التربية في تلك الأمم وفق الضوابط والأسس، التي تحددها أديانها وثقافاتها، فبالأخلاق تبقى الأمم، وبعدمها تزول. ولا يمكن أن نتصور أمة من الأمم لا تعتني بالتربية الخلقية للنشء فيها، وإلا فإن معنى ذلك انهيار الأمة وزوالها [4] .

            ومع أهمية التربية الخلقية لدى الأمم جميعا، إلا أن اهتمامهم ليس على مرتبة واحدة، وليس سعيهم إلى تحقيق أهداف واحدة، وإنما هناك اختلاف في الغايات والوسائل، فالإسلام يهدف من التربية الخلقية إلى "تحقيق غاية كريمة للفرد مع الجماعة في هذه الحياة، وكذلك تحقيق رضوان الله سبحانه وتعالى والفـوز بالنعيـم والنجـاة من الجـحيـم يوم القيـامـة" [5] بينما الهدف من [ ص: 157 ] الـتربية الخلقية لدى الأمم الأخرى هو "إعداد المواطن الصالح... وفرق كبير بين الهدفين" [6] .

            والإسلام يرى أن كل مولود يولد على الفطرة، وبالتالي فهو قابل للاتصاف بالأخلاق الحميدة، بينما بعض التربيات غير الإسلامية تعتقد "أن الطفل يولد بضمير معين، مصحوب بغريزة صارمة، هي الخطيئة الأصلية، أي أن الطفل أو الإنسان مفطور على الفساد والانحلال، ولذلك لا فائدة من التربية الأخلاقية" [7] .

            كذلك هناك اختلاف واضح بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات في مصدر الأخلاق ومرجعيتها، حيث إن مصدر الأخلاق ومرجعيته في الإسلام مبني على الكتاب والسنة والأعراف الصحيحة، التي لا تخالف الكتاب والسنة، بينما الأخلاق عند الحضارة المعاصرة لا تعتمد على الدين، وإنما هي مبنية على سياسات الحكومات والدول، وعلى قرارات مجالس النواب، وعلى العادات والأعراف، ونتج عن هذا أن أصبح السلوك المنحرف -كالعلاقات الجنسية المحرمة، وغير ذلك- أمرا طبيعيا لدى الحضارة الغربية المعاصرة.

            إن هذا الاختلاف بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات في المجال الأخلاقي يمثل تحديا يواجه الأمة الإسلامية من خلال ما تتعرض له من غزو [ ص: 158 ] أخلاقي؛ فقد انتشرت "مفاهيم تربوية خاطئة لمعنى الأخلاق عند الأفراد والجماعات، فالبعض يدخل في الفضائل ما ليس منها... والبعض يخرج من الأخلاق الإسلامية بعض خصالها بحجج ذوقية واهية، فأفرزت هذه المفاهيم الخاطئة سلوكيات لا تتوافق مع المنهج الإسلامي" [8] .

            4- الاختلاف في النظام الاجتماعي:

            لكل حضارة ومجتمع ثقافته، التي يتميز بها عن غيره، كما أن لكل مجتمع ظروفه، ومشكلاته، وتطلعاته، والتحديات التي تواجهه، وطريقته في المواجهة، وعاداته، وقيمه، ونمطه في العيش، وكل هذه الأمور تعد من الخصوصيات الاجتمـاعية، التي ينفرد بـها المجتمع عما سواه، وهذا ما يحقق التجانس والضبط الاجتماعيين.

            ولقد تنبه لأهمية مراعاة الخصوصية الثقافية للمجتمع بعض مسؤولي التعليم في الغرب، والأمثلة أكثر من أن تحصى [9] .

            إن الفروق الاجتماعية بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات واضحة، ذلك أن النظام الاجتماعي الإسلامي محكوم "بقوانين إلهية، وضوابط شرعية، جعلت منه كيانا سليما نزيها يحقق الأمن والاستقرار والسعادة للفرد والأسرة والمجتمع"، بينما النظام الاجتماعي في الحضارات الأخرى تحكمه الآراء والأهواء، التي تتعارض مع الشرائع الإلهية [10] . [ ص: 159 ]

            وهكذا يتضح أن النظم الاجتماعية الإسلامية تختلف بشكل جوهري عن النظم الاجتماعية الوضعية في أن مصدرها هو الخالق البارئ المصور: ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) (الملك: 14).

            لقد صارت نتيجة عدم ضبط المجتمع بالوحي المنزه عن كل عيب ونقص: تفشي الفاحشة في الغرب، وانتشار الجريمة، وتفكك الأسر والمجتمع، فارتفعت نسبة الطلاق، وانتشر أولاد السفاح... وغير ذلك كثير [11] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية