الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            الهدف الثالث: الرد على الانحرافات الموجودة في الحضارات الأخرى:

            إن من أهداف التفاعل الحضاري والثقافي "كشف زيف السلبيات الضارة في الحضارات الأخرى؛ لوقاية الإنسان من آثارها السيئة على سعادته الدنيوية والأخروية" [1] .

            ولذا فإن التفاعل الحضاري المنشود لا يقبل أن يتفاعل مع أي تصور آخر - سابق له أو لاحق عليه - مخالف لما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، فهما -أي الكتاب والسنة- مقدمان على كل نظرية وتصور وفكر، أيا كان مصدره ومنبعه، ذلك أن الوحيين لا يأتيهما الباطل، يقول تعالى: ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (فصلت: 42).

            وإذا كانت النظريات الغربية ليست مسلمة لا تقبل النقاش، بل تحتاج إلى تأكد وإعادة نظر عند أصحابها، فلا شك أن غيرهم ممن يخالفهم في الديانة والعقيدة أحوج إلى مزيد من التثبت وعدم القبول، يقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) (الحجرات: 6).

            وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لزيد بن ثابت رضي الله عنه : ( تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي ) [2] فالنبي صلى الله عليه وسلم - وهو الذي يأتيه [ ص: 57 ] الوحي من السماء - لم يأمنهم أن يقرأوا أو يكتبوا له كتبه، التي كان يرسلها إلى الملوك أو تأتي منهم.

            وهكذا أصحابه من بعده "عملوا على صيانة الأمة والحفاظ على روحها المعرفية سليمة من أن توضع في أيد مشبوهة أو لها تأثير سيء في عزتها وكرامتها" [3] .

            ولم يزل السلف الصالح في القرون الثلاثة الأولى فما بعدها يجاهدون الكفار والمنافقين والزنادقة بألسنتهم، يهتكون أسرارهم، ويكشفون كفرهم ونفاقهم وتلونهم، ويحذرون الأمة من سموم أفكارهم وخبث طويتهم، وسوء مكرهم، فهذا ابن عبد البر [4] يستغرب كيف يؤتمن غير المسلم ويعتمد على أقواله، فيقول: "كيف يؤتمن على سر، أو يوثق به في أمر من دفع القرآن وكذب النبي صلى الله عليه وسلم ؟" [5] .

            لـذلك لا يجـوز الاعتماد على أقوال غير المسلمين إلا بعد التأكد والتثبت من صحتها، يقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) (آل عمران: 118). [ ص: 58 ]

            يقول ابن رشد [6] في فصل المقال: "يجب علينا أن نستعين على ما نحن بسبيله بما قاله من تقدمنا في ذلك، وسواء كان ذلك الغير مشاركا لنا أو غير مشارك في الملة، فإن الآلة، التي تصح بها التذكية ليس يعتبر في صحة التذكية بها كونها آلة لمشارك لنا في الملة أو غير مشارك إذا كانت فيها شروط الصحة، وأعني بغير المشارك من نظر في هـذه الأشياء من القدماء قبل ملة الإسلام، وإذا كان الأمر هكذا، وكل ما يحتاج إليه من النظر في أمر المقاييس العقلية قد فحص عنه القدماء أتم الفحص، فقد ينبغي أن نضرب بأيدينا إلى كتبهم، فننـظر فيمـا قـالـوه من ذلك: فإن كان كلـه صوابا قبلناه منهم، وإن كان فيه ما ليس بصواب نبهنا عليه" [7] .

            ويؤكد ابن تيمية: "إن كان ما يذكرونه مجملا فيه الحق-وهو الغالب على الصابئة المبدلين مثل أرسطو وأتباعه، وعلى من اتبعهم من الآخرين- قبل الحق ورد الباطل" [8] .

            إن بيان ما في الحضارات الأخرى من عوار، وكشف ما فيها من زيف ومن مخالفات شرعية، لهو أسلوب تربوي مشى عليه علماء الأمة، ومنهم الإمام ابن القيم، رحمه الله، فقد كان كثيرا ما ينقل عن بقراط وسقراط وجالينوس، وغيرهم من فلاسفة اليونان، وفي نفس الوقت كان يبين ما في أقوالهم من مخالفات شرعية [9] . [ ص: 59 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية