الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثانيا: أسباب الفروق الفردية والاجتماعية:

            للفروق الفردية والاجتماعية أسباب وعوامل عديدة، من أهمها:

            1- الوراثة [1] :

            وتعني: "انتقال عدة صفات أو استعدادات إلى الكائن الحي من أصوله القريبة أو البعيدة أو من الفصيلة، التي ينتمي إليها بصفة عامة، ولا تقتصر هذه الوراثة على الأمور المتعلقة بالتكوين الجسمي مثل شكل الوجه والطول والقصر ولون البشرة، بل تشتمل أمورا تتعلق بالناحية العقلية مثل: الذكاء والبله وقوة العزيمة والإرادة ومقومات الشخصية، وقد تشمل الوراثة كذلك أمورا تتعلق بالفضائل أو النقائص الخلقية مثل: الكرم والبخل، والشجاعة والجبن، والتقوى والورع، وحب الرذيلة والميل إلى الإثم" [2] .

            وتؤكد مصادر التربية الإسلامية تأثير الوراثة في الفروق الفردية بين الناس، وهو ما أكدته أيضا الأبحاث النفسية والتربوية، التي خلصت إلى أن "الصفات المكتسبة في الحياة الاجتماعية قابلة للانتقال بالوراثة، شأنها في ذلك شأن الصفات والقدرات الفطرية" [3] . [ ص: 152 ]

            ومن ثم فإن السلوك الفردي والاجتماعي يتشكل من الفطر الموروثة، التي انتقلت من الأصول إلى الفروع، وبسبب هذا تمضي المجتمعات والأفراد قدما في طريق أجدادهم وأسلافهم، في المعتقدات والأفكار والأخلاق وغير ذلك.

            2- البيئة:

            وتشير إلى "مجموعة العوامل الخارجية، التي تؤثر في الكائن البشري، منذ بداية تكوينه وهو جنين في بطن أمه إلى أن يولد، وينمو، ويترعرع، ويشتد عوده، وإلى آخر حياته" [4] .

            وهي: "بمثابة جميع المؤثرات، التي يتلقاها الفرد، منذ بدء حياته الرحمية حتى الممات" [5] .

            وتؤكد مصادر التربية الإسلامية تأثير البيئة على الإنسان في النواحي الدينية، والعقلية، والأخلاقية، والاجتماعية، والنفسية، وغير ذلك.

            وتتكون البيئة من مجموعة عوامل تعمل على التأثير، منفردة ومجتمعة، ومن ذلك ما يلي: [ ص: 153 ]

            أ- البيئة الجغرافية، التي يعيش فيها الشخص [6] ، وتلعب دورا كبيرا في إبراز الفروق الاجتماعية من نواحي عديدة، ولها تأثير كبير على "الحياة الوجدانية وعواطفها وغرائزها، والميل إلى الإجرام والانتحار..." [7] .

            ب- الأسرة: وتأثيرها واضح في اختلاف الأشخاص، حيث يختلف الأشخاص بسبب الأسر، التي ترعرعوا فيها، فتختلف الديانات، التي يعتنقها الأفراد بسبب تأثير الأسرة وتربيتها على الفرد، يقول عليه الصلاة والسلام: ( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) [8] .

            ج- المجتمع: وله تأثير على الفرد، فالشخص الذي يعيش في البدو يختلف تـماما عن الشخـص، الذي يعيش في الحضر، وبسبب تأثير المجتمع حرم النبي صلى الله عليه وسلم مساكنة المجتمع المشرك؛ حماية للفرد من التأثر به، فقال صلى الله عليه وسلم : ( من جامع المشرك، وسكن معه فإنه مثله ) [9] .

            د- البيئة التعليمية: مثل المدرسة والجامعة وغير ذلك، وتلعب هذه البيئة دورا مهما في تكوين وتطوير الفروق بين الأشخاص، والمجتمعات، والشعوب. [ ص: 154 ]

            هـ- الرفقـة: ولها تأثير على الفرد إما إيجابا وذلك إذا كان الرفيق صالحا، أو سلبا وذلك حين يكون الرفيق طالحا، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالجليس الصالح والجليس السوء فقال: ( مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة ) [10] ، وقال صلى الله عليه وسلم : "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" [11] .

            3- التراث الاجتماعي:

            ويتضمن اللغة، والعادات والأعراف والتقاليد، والموروث الثقافي، ولهذا يختلف الأفراد والمجتمعات في اللغات، والأعراف والعادات، والقيم والأخلاق، والمعتقدات والأفكار، فالمجتمع الإسلامي ليس مثل غيره من المجتمعات الأخرى، وهكذا فإن أثر التراث في الفروق بين المجتمعات واضح، وهذا يحتم على مسؤولي التربية والتعليم مراعاة ذلك وعدم إنكاره أو تجاهله.

            ومن ثم، فإن اختلاف المجتمعات والبيئات وأساليب التربية "يعمل على تكوين فروق اجتماعية أو قومية بين الأفراد الإنسانيين، فالفرد الإنكليزي، والفرد الصيني، والفرنسي، والعربي، ليسوا سواء، بل بينهم فروق قومية، تلعب دورها البعيد في الاختلاف حول قيم الحياة، ووسائل العيش، وآداب السلوك" [12] . [ ص: 155 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية