الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثالثا: أقسام الأولويات وأنواعها:

            هناك تقسيمات عديدة للأولويات، ويمكن الاكتفاء هنا بنوعين منها لعلاقتهما القوية بهذا البحث:

            - الأول: تقسيم الأولويات بناء على مشروعيتها [1] :

            1- أولويات معتبرة شرعا: ويدخل فيها عدم مناقضة ومخالفة قواعد الشرع؛ بالإضافة إلى ما ورد فيه دليل شرعي يدل على كونه من الأولويات.

            2-أولويات غير معتبرة شرعا: ويدخل فيها كل محرم اتخذه الناس أولويا، ومثال ذلك: أن يتعارف الناس على منكر مخالف للشرع، ويصير هذا المنكر بالنسبة لهم أولويا، فيقدمونه على كثير من الطاعات.

            وفائدة هذا التقسيم بالنسبة إلى هذه الدراسة هو أن يتم ترتيب أولويات التفـاعل الحضـاري بناء على الأولويات المشروعـة، مع التحذير من [ ص: 168 ] الأولويات المتوهمة غير المشروعة كاقتباس العقائد المنحرفة، والعادات المستهجنة، وكل ما له ضرر بالدين والدنيا.

            - الثاني: تقسيم الأولويات من حيث المصلحة والمفسدة [2] :

            1- أولويات بين المصالح: وهي الأولويات، التي تظهر في المصالح ابتداء، أو عند التعارض بينها، بحيث يتم تقديم ما هو أعظم مصلحة على ما فيه مصلحة أدنى.

            2- أولويـات بين المفاسد: وهي الأولويات، التي تظهر في المفاسد ابتداء، أو عند التعـارض بينها، بحيث يتم تقديـم ما هو أخف مفسدة على ما هو أعظم.

            3- أولويات عند التعارض بين المصالح والمفاسد: وهي الأولويات، التي تظهر في حالة التعارض بين المصالح والمفاسد، فأيها رجحت كفته يقدم.

            وهذا التقسيم له علاقة بما يسمى (فقه الموازنات) وهو داخل في فقه ترتيب الأولويات؛ لأن الموازنة بين المصالح بتقديم أهمها، والموازنة بين المفاسد بدرء أعظمها، والموازنة بين المصالح والمفاسد بمراعاة الغالبة منهما، كل ذلك داخل في ترتيب الأولويات، إذ قد تنتهي الموازنة إلى أولوية معينة.

            وهذا التقسيم مهم أيضا بالنسبة إلى هذه الدراسة، ذلك أن مسائل التفاعل الحضـاري وقضـاياه فيه بعض المصالح، التي تعود بالنفع على الأمة، [ ص: 169 ] أو على بعض أفراد الأمة، وهذه المصالح تتفاوت مراتبها ودرجاتها، وللتفضيل بينها لا بد من ترتيب الأولـوية فيقـدم الأكثر أهمية على الأقل أهمية، والأعم ثم الأخص، وكذلك هناك مفاسد في التفاعل الحضاري، وتتفاوت درجة هذه المفاسـد، ولدفعها لا بد من تقديم ما هو أخف مفسدة على ما هو أعظم، ولا شـك أن هـذا "يتطلب فقها لترتيبات مطـالب الشريعة، ومقاصدها، كما يتطلب فقها بالواقع المعاش، ونوعا من البصيرة المسلحة بالخبرة في عواقب الأمور المترتبة على الإقدام على أمر ما، والإحجام عنه، وهذا الفقه تشتد الحاجة إليه كلما ساءت الظروف والأحوال، التي تمر بها الأمة، حيث تكثر الخيارات الصعبة، وتضيق سبل الحلول المطروحة، أو تصبح التضحية ببعض الخير وارتكاب بعض الشر أمرا لا مفر منه" [3] .

            ومن خلال ما سبق يكون ترتيب الأولويات وفقا للقواعد الآتية:

            1- تقديم الضروري على الحاجي، والحاجي على التحسيني، فيقدم حفظ الدين، ثم حفظ النفس، ثم حفظ العقل، ثم حفظ النسل، ثم حفظ المال، وكل كلية من هذه الكليات الخمس لها ضروري وحاجي وتحسيني، وبناء عليه يقدم، مثلا، ضروري حفظ الدين على حاجي حفظ الدين، وحاجي حفظ الدين على تحسيني حفظ الدين، وهكذا في كل كلية من هذه الكليات. [ ص: 170 ]

            2- تقديم الأكثر أهمية على الأقل أهمية، والمهم على غير المهم، فالتربية الإسلامية تدعو إلى الأفضل والأحسن في كل ما فيه نفع الفرد أو المجتمع.

            3- تقديم النفع المتعدي على النفع القاصر.

            4-مراعاة أهداف وحاجات المجتمع، فدراسة الأولويات التربوية تعتمد على الأهداف، وعلى احتياجات المجتمع.

            5- مراعاة مرونة ترتيب الأولويات في التفاعل الحضاري، فهي متغيرة وليسـت ثابتـة، خصـوصا فيمـا يتعلق بمجـال الحياة، فما يصلح اليوم ربما لا يصلـح بعد غد، لهذا فإنه ينبغي عدم التجمد على أولويات معينة، فمثلا إذا كان علم الطب متوفرا في بلد ما، فإن أولوية هذا البلد لا بد أن تحول إلى مجال آخر كاقتباس التكنولوجيا، أو النظم الإدارية، أو غير ذلك.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية