الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            أولا: التفاعل الحضاري في مجال العقائد:

            لما عرض كفار قريش على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا إلهه سنة ويعبد آلهتهم سنة، لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم هذه المساومة؛ لأنها بعيدة عن روح الإسلام وتعاليمه، بل هي هدم للإسلام، وانسلاخ من عقيدة التوحيد، ولهذا أنزل الله في هذا الأمر سـورة كاملـة تتـلى إلى يوم القيـامة، كان فحـواها المفاصلة التامة بين ملة أهـل الإسـلام ومـلـة أهـل الـكفر، وأمـر الله فيهـا نبيه أن يقـول لهم: ( لكم دينكم ولي دين ) (الكافرون: 6)، وهذا يدل دلالة واضحة على أنه لا مجال للاقتباس من عقائد الحضارات الأخرى.

            لذا فإن الواجب على الأمة الحفاظ على عقيدتها، وصونها من كل شائبة تفسد نقاءها، ولا ضير بعد ذلك أن تأخذ من الأمم ما فيه نفع دنيوي، فقد "أخـذ المسلمـون عن غـيـرهم في الجـانب المادي والتنظيمي دون أن يأخذوا ما كان مشتبكا به عند أصحابه من شرك وخرافة ووثنية وانحراف في الأفكار، أو انحراف في السلوك، ثم إن الذي أخذوه - وكله في مجال الأدوات لا في مجال الأسس والمناهج - طوعوه سريعا لمنهجهم الخاص في الحياة فأصبحوا أصلاء فيه لا مقلدين" [1] .

            والعلة في المنع من اقتباس العقائد من الحضارات الأخرى أن أمر العقيدة لا يدرك بالأفهام والعقول، ولا بالحس والتجربة، وإنما بالوحي المنزل من عند الله سبحانه؛ يقول شيخ الإسلام مؤكدا ذلك: "وأما ما يذكرونه - أي [ ص: 62 ] الفلاسفة - من العلوم النظرية، فالصواب منها منفعته في الدنيا، وأما العلم الإلهي، فليس عندهم منه ما تحصل به النجاة والسعادة، بل وغالب ما عندهم منه ليـس بمتيـقن معلـوم، بل قـد صرح أسـاطين الفلسفـة: أن العلـوم الإلهية لا سبيل فيهـا إلى اليقـين، وإنـمـا يتـكلم فيـها بالأحرى والأخـلاق، فليس معهم فيها إلا الظن، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا" [2] .

            ويمكن القول بشكل عام: إن النهي عن التفاعل الحضاري في مجال العقيدة، يغطي مسائل ومساحات متعددة، يأتي في مقدمتها: النهي عن الكلام في القدر؛ النهي عن الشرك؛ النهي عن الاقتباس من كتب الكفار؛ النهي عن التشبه بهم في اتخاذ القبور مساجد.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية