الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثانيا: تقديم الشرع على العقل:

            من أصول عقيدتنا: أن نصوص الكتاب والسنة لا تخالف العقل الصريح الصحيح أبدا، ذلك أن ما صح وثبت من الشرع لا يمكن أن يوجد فيه خطأ، بخلاف عقول الناس وآرائهم، فهي معرضة للخطأ والهوى.

            ومـن هنا كانت عقيدة السلف عدم معارضة المسلم شيئا من الكتاب ولا من السنة، لا بأقيسة عقلية، ولا بقول شيخ، أو كشف، أو ذوق ونحو ذلك، كما كان منهجهم عدم النظر فيما خالف الشرع أيا كان مصدره وقائله، يقول شيخ الإسلام: "لا يوجد في كلام أحد من السلف أنه عارض القرآن بعقل ورأي وقياس، ولا بذوق، ووجد، ومكاشفة، وقال قط: قد تعارض هذا العقل والنقل، فضلا عن أن يقول: فيجب تقديم العقل" [1] . [ ص: 145 ]

            وكان من منهج السلف أيضا الإيمان المطلق بما جاء عن الله ورسوله على مراد الله ورسوله، لا على مراد أهواء الناس، قال الشافعي: "آمنت بما جاء عن الله، على مراد الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم " [2] ، وهذا الإيمان واجب، سواء عرفنا المعنى أو لم نعرفه، لأن عقول البشر قاصرة عن إدراك جميع المعاني والإحاطة بها.

            والمسلم عليه الإيمان المطلق باستقامة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة "وأنه لا يمكن بحال أن تصطدم آية قرآنية، أو حديث صحيح مع سنة كونية، لأن مصدرهما من الله تعالى، وإذ وجد تعارض فليس بين علم ودين، بل بين دين وجهل أخذ سمة العلم" [3] .

            ولقد مضت أربعة عشر قرنا على نزول القرآن الكريم، "نشأ فيها كثير من المعارف والأفكار، ورغم هذا لم تخالف آية من آياته حقيقة علمية ثابتة، وهذا من دلائل الإعجاز في هذا الكتاب العظيم" [4] .

            ومجانبة هذا الإيمان باستقامة القرآن والسنة، هو أصل فساد العالم وخرابه، إذ العقول تتباين وتتعارض في تقدير المصالح، فعقل من نأخذ إذا؟ [5] . [ ص: 146 ]

            وليس معـنى هـذا "عـدم النظر إلى خبرات الناس وتجاربـهم.. فالشريعة لم تهمل هذا، ولكن جعلت له مجالا معينا وهو:

            1- عند فقد النص الشرعي.

            2- ويكون ذلك في حدود العاديات والمعاملات، لا في مجال العبادات؛ لأنها موقوفة على النص" [6] .

            فالإسلام لا يمنع الاستفادة من العقول والتجارب، ولكنه يشترط أن يكون العقل تابعا للدين، وتحت سلطانه ومقاصده، فلا يمنع الإسلام "من الرجوع إلى المصادر الفردية، والاجتماعية، والعلمية، التي تذكرها عادة كتب التربية الحديثة في معرض حديثها عن مصادر الأهداف التربوية والتي تتمثل عادة في ما كشفت عنه الدراسات والأبحاث والملاحظات العلمية من حاجات جسمية، وعقلية، وروحية، ونفسية، واجتماعية للفرد" [7] .

            والإسلام لا يقبل التلفيق والتوفيق بين التربية الإسلامية، التي مصدرها الكتاب والسنة وبين التربيات الأخرى المبنية على عقيدة وقناعات واضعيها، من المذاهب والتيارات المنحرفة، وكان من ثمار هذا التوفيق في القديم مزج مسائل الديانة بكلام اليونان، وفي العصر الحديث مزج مسائل الدين بالنظريات الغربية المعاصرة. [ ص: 147 ]

            والقرآن الكريم بين أن التلفيق من صفات المنافقين وأفعالهم، فقال سبحانه: ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا * فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا * أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا ) (النساء: 61-63).

            إن الأمة المسلمة إذا حافظت على ثوابتها، وأصولها المرجعية "فلا ضير بعد ذلك من الحياة وفق أساليب العصر العلمية والتكنولوجية، بل إن المطلوب مزاحمة الأمم ومنافستها في مضمار السباق العلمي والإنتاج بأنواعه: الزراعي والصناعي، كما فعلت اليابان وألمانيا مثلا، بالرغم من هزيمتهما في الحرب العالميـة الثانية، ولكنهما احتفظتا بأصولهما الثقافية والحضارية، إذن ما المانع أن تمضي أمتنا قدما في نفس الطريق مع المحافظة على الأصول العقدية المتلقاة عن السلف؟" [8] .

            والخلاصة، أنه ينبغي الحذر من الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة على عقيدتنا وديننا، والتمسك بالمنهج التربوي الإسلامي في ضوء الكتاب والسنة وفق فهم السلف الصالح، إذ في ذلك الرقي والتقدم، والسعادة في الدنيا والآخرة. [ ص: 148 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية