الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثالثا: نماذج من توظيف المصلحة الملغاة في اقتباس الفاسد:

            إن اقتباس الصالح النافع وتجنب الفاسد الضار لهو أمر مغروز في الطبائع "فلو خيرت الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ؛ لاختار الألذ، ولو خير بين الحسن والأحسن؛ لاختار الأحسن، ولو خير بين فلس ودرهم؛ لاختار الدرهم، ولو خير بين درهم ودينار؛ لاختار الدينار، ولا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت" [1] .

            ولم يخرج من هذه الفطرة إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل، ويستند هؤلاء في كثير من تصرفاتهم الخاطئة إلى المصلحة، ويدعون أن قصدهم اقتباس الصالح النافع وتجنب الفاسد، ويبررون تصرفاتهم تلك بأن ظروف الواقع وسنة التطور وضخامة الأحداث هي التي تجعل إعمال المصلحة دون قيود وضوابط، كما أنهم يقولون: إن المصالح الدنيوية لا تعرف بالشرع، وإنما تعرف بالضرورات والتجارب والعادات والظنون.

            وقد كان هذا الصنف من الناس موجودا، حتى قبل بروز الحضارة الغربية وهيمنتها على العالم، لكن العلماء تصدوا لأفكارهم، وبينوا عوارها، وكشفوا [ ص: 137 ] زيفها، ودحضوا شبهاتهم، ولا أدل على ذلك من تقعيدهم للمصلحة الملغاة والتي عرفوها بأنها: "ما شهد الشرع ببطلانها" [2] .

            وقد ظهرت بعض المفاسد في ثوب المصلحة، ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:

            1- كل ما يستند إليه دعاة التغريب من مبررات وتعليلات ينسبونها للمصالح، مع أنها تناقض أحكام الشريعة.

            2- الاستهانة بالفرائض والتكاليف بحجة رفع الحرج عن الناس [3] .

            3- تجـويز أخذ الربا لتلبية حاجات كمالية أو ترفيهية، أو حتى حاجية لم تبلغ درجة الضرورة القصوى [4] .

            4- اقتراح أحد المفكرين في ملتقى إسلامي، أن تحول صلاة الجمعة إلى يوم الأحد في المجتمعات الغربية، تحقيقا لمصلحة الجاليات المسلمة، حيث تتمكن من حضورها خلافا ليوم الجمعة [5] . [ ص: 138 ]

            5- اقتراح أحدهم أداء الصلوات الجماعية على الكراسي، كما يفعل النصارى في الكنائس لضمان الخشوع والتأمل، وتكميل مظاهر الوحدة والسكينة.. [6] .

            6- التقـليد في ارتداء اللباس، وفي الشـكل والمظـهر العـام باسـم الموضة والزينة.

            والخلاصة، أن اقتباس الصالح وتجنب الفاسد أثناء التفاعل مع الحضارات الأخـرى، يعتبر ضابطا مهما، يحفظ للمسلمين خصوصيتهم الثقافية والحضارية، ويحميهم من الذوبان والانصهار، ويحقق لهم الاستفادة من التكنولوجيا والتقنية المعاصرة. [ ص: 139 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية