الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            4- الدعوة إلى تطوير الشريعة وتجديدها:

            الدعـوة إلى تطوير الشريعـة كلمة براقـة، لكنهـا خداعة تهدف إلى تحريف الشريعة وتبـديلها، وإخضـاعهـا للـذوق الإنسـاني، فيختـار كل إنسـان منها ما يشاء ويترك ما يشاء، تحت ذريعة عصرنة الشريعة وتطويرها.

            وترجع فكر التطوير والعصرنة إلى عصر النهضة في الغرب، فقد ظهرت فيه اتجاهات "تنادي بالتغيير في كل شيء حتى في منظور الحقيقة، وبذلك جعلوا الدين وغيره من القيم تابعا ذليلا لفكرة التغيير والتطور. أما أمتنا الإسلامية فقد ظهر فيها اتجاهات متأثرة بموقف الغرب من فكرة التطور والتغيير حتى في الدين والقيم الثـابتة، حيث يقول البعض صراحة: إن الدين خرافة لا يصح أن يعيش [ ص: 199 ] في عصر التطور، والبعض الآخر لا يجرؤ على مهاجمة الدين صراحة، فيهاجمه تحت ستار: مهاجمة الأفكار الرجعية... كل هذا بسبب تأثرنا بدعاوى غربية حول التغيير وعدم الثبات حتى في الدين وقيمه" [1] .

            فهناك: "تيارات فكرية تستتر وراء عناوين خادعة، وهي في جوهرها محاولات عنيفة لفصل المسلمين عن دينهم، ووضعهم في مجال التبعية لغيرهم... وهذه الاتجاهات المغربة، التي تنادي بتجديد الفكر الإسلامي تسير في طريق خدمة الاستعمار منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولكن من غير قصد مباشر..." [2] .

            أما التجديد والتطوير، بمعناه الصحيح، فهو يعني "إعادة الدين بنصوصه وقواعده ومناهج الفهم والاستنباط منه إلى حالته الأولى، التي أنزله الله عليها، وإزالة كل ما تراكم عليه من سمات ومظاهر طمست جوهره، وشوهت حقيقته" [3] ويعني كذلك تطوير وسائل وأساليب تبليغ الدين، والاستفادة من التكنولوجيا المعاصرة، وتسخيرها لخدمة الدين الإسلامي، كل ذلك وفق قواعد الشريعة ومقاصدها. [ ص: 200 ]

            ويمكن تمييز التجديد الصحيح من الباطل في ضوء: أن "كل تجديد ينطلق من أصول السلف، ويعتمد منهجهم وأساليبهم ومنطلقهم في التجديد، ويستوعب نظراتهم ومقاصدهم ليضيف إليها ما يتفق وتحديات عصره هو تجديد صحيح، وأما التجديد، الذي يتنكر لأصول السلف وقواعدهم في الفهم، ويخترع أصولا ما أنزل الله بها من سلطان، ويعتمد مناهج وفلسفات فاسدة بديلا عن منهج الوحي المعصوم، فهو تجديد باطل منحرف محكوم عليه وعلى أصحابه بالضلال" [4] .

            والإسلام لم يمنع "من تطوير القيم الصغرى المرتبطة بالبيئات والأزمنة دون المساس بالقيم العليا الثابتة، بل هذا التفاوت والاختلاف في القيم الصغرى جائز، بل وضروري في تقدير الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، بشرط عدم الخروج عن القيم الكبرى، التي أقرها الإسلام، وتحركا في دائرة التوحيد والتقوى والعدل والإيمان" [5] .

            وهناك الكثير من الآثار الأخرى الخطيرة للتفاعل الحضاري في المجال الاعتقادي، مثل انحسار المفهوم الشامل للدين وإنكار الغيبيات وغيرها. [ ص: 201 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية