الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مجالات التفاعل الحضاري

            الإنسان في منهج التربية الإسلامية ليس حرا طليقا من كل وجه، يتصرف كما يشاء ويفعل ما يشاء ويترك ما يشاء، وليس أيضا مسلوب الحرية والإرادة، ممنوعا عن ممارسة حقوقه وتحقيق رغباته وطموحاته، وإنما هو بين هذا وذاك، فهو حر في ممارسة أي نشاط، شريطة أن لا يكون مخالفا للكتاب والسنة، ولا يؤدي إلى الشر والفساد أو انتهاك حقوق الآخرين.

            لـذا فـإن تلبية رغبات الإنسـان في مجـال التفـاعـل الحضـاري، يكون منها ما يتضمن شرا أو ضررا أو أذى أو يفضي إلى شيء من ذلك، وهذه المجالات وضع لها الإسلام حدودا وحمى، أعلن بالمنع من اقترابها، أو اختراقها أو تجاوزها، كما قال تعالى: ( تلك حدود الله فلا تقربوها ) (البقرة: 187)، وقال: ( تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ) (البقرة: 229)، ووعد سبحانه بالدخول في الجنان والظفر بالفوز العظيم لمن امتثل لهذه الحدود ولم ينتهكها، وفي المقابل توعد سبحانه من تعدى هذه الحدود بالعذاب المهين، فقال تعالى: ( تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين ) (النساء: 13-14). [ ص: 60 ]

            ولم يكن المنع لكبت ميول الإنسان، ولا لتجاهل رغباته وتلبية حاجاته، وإنما كان من أجل مصلحة الإنسان وإسعاده؛ لذلك فتح منهج التربية الإسلامية مجالات كثيرة خالية من الشر والضرر والأذى.

            وعليه، فإن منهج التربية الإسلامية في التفاعل الحضاري هو فتح ممارسة "كل ألوان النشاط البشري، التي تؤدي إلى عمارة الأرض من تجارة وصناعة وعلم، وتسعى إلى الإنتاج الوفير في كل أبواب الإنتاج، ولكنها في سعيها كله تلتزم بالحلال والحرام، وبالقيم الأخلاقية، وبما يقتضيه الإيمان بالله واليوم الآخر من تشكيل للسلوك" [1] .

            ولبيان مجالات التفاعل الحضاري في هذا البحث يحسن تقسيمها إلى قسمين هما:

            التالي السابق


            الخدمات العلمية