الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            رابعا: دور منهج التربية الإسلامية في مراعاة الفروق بين الأمم:

            أقر منهج التربية الإسلامية مبدأ الاهتمامات المختلفة، ولهذا حرص على مخاطبة الناس على قدر عقولهم، يقول ابن مسعود رضي الله عنه : "ما أنت بمحدث قـوما حـديثا لا تبلغه عقولهم؛ إلا كان لبعضهم فتنة" [1] وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله" [2] .

            وتطبيقا لهذا المبدأ التربوي، وانطلاقا منه، تتجه عملية التفاعل الحضاري نحو أهدافها المنشودة، فلا يجلب للمجتمع المسلم ما هو خارج عن دائرة اهتماماته، وقيمه ومعتقداته، وعاداته.

            وفي ضوء ذلك، يمكن القول: إن التفاعل الحضاري يبنى على مجموعة من الأسس، من أهمها: [ ص: 160 ]

            1- الأساس الديني:

            يعتبر الدين الأساس الرئيس، الذي يأتي في مقدمة أسس التربية "وذلك لما للتدين من أهمية بالغة في حياة الأفراد والمجتمعات، ولكونه يتضمن المعتقدات الروحية، التي يؤمن بها الناس ويقدسونها، وما يستمد من النظرة لعناصر الوجود: الكون والإنسان والحياة، وما يتطلبه من ممارسة العبادات والشعائر الدينية" [3] . فوظيفة التربية الأساسية هي "تمكين الفرد من معرفة دينه، ومن ثم فإن اهتمامها ينصب على دراسة العقيدة الدينية، وشريعتها، وتوضيح وتفسير الأنشطة المختلفة في ضوء تعاليم الدين، إضافة إلى العناية الكاملة بممارسة الشعائر الدينية" [4] .

            فالناس يختلفون فيما يتدينون به، والأساس الديني هو أهم ما يتميز به مجتمع عن غيره من المجتمعات.. وعليه، فإن التفاعل الحضاري لا بد وأن ينطلق من مراعاة هذا الأساس.

            2- الأساس الأخلاقي والاجتماعي:

            الـتـربية الأخـلاقية الإسـلامية من أهـم الأسس والمبادئ، التي يقوم عليها التـفـاعل الحضـاري في ميادين العلـوم وضروب الثقافة وفنون الآداب، مما يستدعي أن يكون التفاعل الحضاري خالصا من الأخلاقيات الفاسدة، التي [ ص: 161 ] لا تقرها التربية الإسلامية، وأن تراعى سياسات المجتمع وتقاليده وأعرافه، عند ممارسة أي تفاعل حضاري، وهذا ما جعل التربويين يرون أن المجتمع يلعب دورا مهما "في رسم السياسات التعليمية التي تناسب ظروفه، وأهدافه، وحاجاته، وثقافته، وهو الذي يحدد أسلوب التربية..." [5] .

            ومراعاة لهذا الأساس، فإن التربويين لا يقبلون فكرة "أن التعليم والتربية من المبادئ الإنسانية العالمية ذات التراث البشري المشاع، ولم يقبلوا باستيراد مناهج التعليم كما هي عند الأمم والشعوب الأخرى، ولا باستيراد العلوم والآداب، التي نشأت في أحضان مذاهب وعقائد ومفاهيم لا تؤمن أمتهم بها..." [6] .

            وفي هذا المجال، فإن دور التربية، في مراعاة الفروق بين الأمم في إطار عملية التفاعل الحضاري يتلخص فيما يلي:

            أ- مراعاة الفروق بين الأمم وعدم تجاهلها أو إنكارها [7] .

            ب- المحافظة على الموروث الحضاري للأمة الإسلامية وتنقيته من كل شائبة تكدر صفوه. [ ص: 162 ]

            ج- بناء التفاعل الحضاري على الأساس الديني والأخلاقي والاجتماعي للأمة المسلمة، حتى تكون قادرة على مواجهة التحديات القادمة من الحضارات الأخرى.

            د- النـظر إلى العـادات والعـلـوم والمنـاهج الوافدة من الحضارات الأخرى بعـين النقـد والتحـليل، والقيـام بعملية فرز بين الغث والسمين، وذلك لاستخـلاص ما لا يقـدح بثوابت الأمة وخصوصياتها العقدية والأخلاقية والاجتماعية.

            هـ- مراعاة قدرات المجتمع الإسلامي وإمكانياته عند التفاعل الحضاري، فما يصلـح لمجتمـع الصين أو الروس مثلا لا يصلح للمجتمع الإسلامي، وعليه فـإن كل مجتمـع يقتبس من غـيره بحسب ما عنده من مؤهلات وقدرات وإمكانات.

            و- توجيه المجتمع الإسلامي وإرشاده إلى المجالات المطلوب اقتباسها، مراعاة لاحـتـيـاجاته ومتـطـلـبـاته، الـتي تـفـرضـها التنمية الشاملة، التي يسعى إلى تحقيقها.

            3- الضبط الاجتماعي:

            الضبط الاجتماعي هو: "الطريقة التي يتطابق بها النظام الاجتماعي ككل للحفاظ على هيكله ومقوماته، ثم كيفية تقبل الأفراد والفئات الاجتماعية لهذه الطريقة، ولما تمارسه قوى الضبط من ضغوط، وبمعنى آخر هو القوى التي يمارسها المجتمع على أفراده والطرق والمعايير، التي يفرضها للهيمنة [ ص: 163 ] والإشـراف على سلـوكهم وأسـاليبهم في التفكير والعمل، وذلك لضمان سـلامة البنيان الاجتمـاعـي والحرص على أوضاعه ونظمه، والبعد به عن عوامل الانحراف" [8] .

            لذلك لا بد من الضبط الاجتماعي، الذي "يتضمن إلزاما اجتماعيا حـتى يـمـكن التنـاسـق بين المـؤسـسات الاجتماعية والوظائف والمسؤوليات التي تؤديـها، وحـتى يتفادى المجتمع أسباب المشكلات الاجتماعية كالتفكك أو الانـحلال الاجتماعي، أو انهيار القيم الروحية أو ضعفها، أو تردي الأوضاع الاجتماعية" [9] .

            ومن هنا يتبين أن بناء التفاعل الحضاري على الأسس والمبادئ، التي تتفق مع ديانة المجتمع وقيمه وعاداته وأعرافه أمر لا يمكن تحقيقه إلا بوجود الضبط الاجتماعي، الذي يهدف إلى إلزام أفراد المجتمع بالامتثال للمعايير والقواعد الاجتماعية وعدم الخروج عليها، ومقاومة الانحرافات والأمراض الاجتماعية، التي تحدث بين فترة وأخرى. [ ص: 164 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية