الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            التفاعل الحضاري وضوابطه

            المفهوم.. والدلالات

            أولا: تعريف التفاعل الحضاري:

            التفاعل الحضاري مركب من كلمتين هما: التفاعل والحضارة، وعليه، فإن تعريف التفاعل الحضاري يكون باعتبار مفرديه، وباعتباره مركبا.

            1- تعريف التفاعل الحضاري باعتبار مفرديه:

            التفاعل لغة: مصدر (تفاعل)، الذي يدل على المشاركة غالبا، مثل: تعاون فلان وفلان، وتشاركت أنا وصديقي.. وتقول: تفاعل الطلاب مع معلمهم تفاعلا مثمرا، من (فعل) الشيء فعلا وفعالا وتفاعلا: أثر كل منهما في الآخر [1] .

            وبالتـالي، فإن التفـاعل يقـوم على المشـاركة والتعـاون، ويقتضي تبعا لذلك التعاضد.

            أما الحضارة لغة: من حضر يحضر حضورا وحضارة، والحضر: خلاف البدو، والحاضر: خلاف البادي، والحضارة: الإقامة في الحضر، قال الشاعر: [ ص: 28 ]


            ومن تكن الحضارة أعجبته فأي رجال بادية ترانا



            والحضر، والحضرة، والحاضرة: خلاف البادية، وهي المدن والقرى والريف، سميت بذلك؛ لأن أهلها حضروا الأمصار، ومساكن الديار، التي يكون لهم بها قرار [2] .

            ولم تعـد كلمة الحضـارة "في العرف المعـاصر مقصـورة على مدلولها القديـم المقابل لمدلول كلمة (بداوة) وإنما جاوزته إلى مدلول آخر، هو التعبير عن ارتقاء المجتمع، وارتفاعه عن المستويات البدائية، ويقصدون عادة بالمجتمع المتحضر ذلك المجتمع، الذي له قيمه الروحية الرفيعة، وأساليبه المادية المتطورة في مواجهة الحياة" [3] .

            واصطلاحا: عرفت الحضارة بتعاريف متعددة، من أبرزها:

            أن الحضارة: "كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ونواحيه، عقلا وخلقا، مادة وروحا، دنيا ودينا" [4] .

            وعرفت بأنها: "كل إنجاز فكري أو مادي للإنسان على وجه الأرض، وهي بذلك تشمل: الدراسات الأدبية، والنظرية، والعقلية، والفلسفية، [ ص: 29 ] والـوسـائـل والمخـترعات والابتكارات، التي وصل المجتمع الإنساني بها إلى آفـاق بعيـدة من الرقي، والتنظيم المادي، والرفاه الاجتماعي في الحياة، والنظـم، الـتي يضعـها المجتـمـع لـدعـم كيانـه، وتحقيق أهـدافـه في الحياة بسهولة ويسر" [5] .

            فالحضارة: "نوع من الامتزاج والتفاعل بين العقائد، والتصورات، والأخلاق، والنظم الاجتماعية، وما توفر من معطيات ثقافية مع الخبرات الفنية والعملية؛ لينتج عن ذلك وفرة في عالم الأشياء، وسيطرة أكثر على الطبيعة، وخروج من حيز الضرورات إلى الشعور بالتأنق، وتعدد الخيارات" [6] .

            هذه التعريفات تمثل، إلى حد بعيد، الاتجاه العام، الذي عرف الحضارة بأنها: جهد البشر في شتى الميادين، وجعلها شاملة ومحيطة بكثير من جوانب الحياة، إلا أن هناك اتجاهات أخرى منها: الاتجاه الروحي، والاتجاه المادي، والاتجاه الحيواني...

            ويتبين مما سبق أن مفهوم الحضارة يتناول كل ما ينجزه الفرد أو المجتمع في جوانب الحياة المختلفة، المادية والمعنوية. [ ص: 30 ]

            2- تعريف التفاعل الحضاري باعتباره مركبا:

            يندرج التفاعل الحضاري ضمن مصطلـح (التفـاعل التربوي) والذي يعرف بأنه: "سلسـلـة متبـادلة ومستـمرة من الاتصالات بين كائنين إنسانيين أو أكثر" [7] ، فهو يشمل: التفاعل الحضاري؛ والتفاعل الاجتماعي؛ والتفاعل الصفي، الذي يوصف بأنه: "أنماط الكلام أو الحديث المتبادل بين المعلم والتلميذ داخل حجرة الدراسة، وتعكس هذه الأنماط طبيعة الاتصال بين المعلم وتلاميذه، وأثره في المناخ الاجتماعي والانفعالي داخل حجرة الدراسة، وذلك على افتراض أن هذا المناخ يؤثر على النتائج النهائية للنظام التعليمي، وعلى اتجاهات المعلم نحو تلاميذه، واتجاهات التلاميذ نحو التعلم" [8] .

            ويتسع مفهوم التفاعل الصفي ليشمل: "كل ما يحدث بين المعلم والطلاب، أو بين الطلاب والمواد التعليمية، أو بين الطلاب أنفسهم من حوار وتأثر وتأثير متبادل ينتج عنه إثراء لتعلم الطلاب وتشكيل أفضل لأنماط تفكيرهم وسلوكهم" [9] . [ ص: 31 ]

            أما التفاعل الاجتماعي فهو عبارة عن "العلاقات الاجتماعية بجميع أنواعها، التي تكون قائمة بوظيفتها، أي العلاقات الاجتماعية الديناميكية بجميع أنواعها، سواء أكانت هذه العلاقات بين فرد وفرد، أو جماعة وجماعة، أو بين جماعة وفرد" [10] .

            وقيل: هو "العملية، التي يرتبط بها أعضاء الجماعة بعضهم مع بعض، عقليا ودافعيا وفي الحاجات والرغبات والوسائل والغايات والمعارف وما شابه ذلك" [11] .

            أما التفاعل الحضاري فهو من المصطلحات، التي ظهرت في الآونة الأخيرة، وقد "اختلف المفكرون والعلماء اختلافا بينا حول فكرة هذا المصطلح وحقيقته، فمن قائل: إنه صراع الحضارات، ومن قائل: إنه حوار الحضارات، ومن قائل: إنه تداول حضاري. ثم هل هو تقارب الحضارات أم حرب الثقافات أم كلها مجتمعة، أم غير ذلك؟ على أية حال هو مصطلح يعني اتصال والتقاء الشعوب والأمم المختلفة ذات الأبعاد الثقافية والقيمية المتباينة، وهذا الالتقاء، الذي يتم عبر وسائل ومصادر مختلفة له مساوئه ومحاسنه تبعا للنظرة العقدية والمنفعة المتوقعة للمجتمع" [12] . [ ص: 32 ]

            وبنـاء على ما سبق، يمـكن أن نستنتـج تعريفا إجرائيا للتفـاعل الحضاري، هو:

            التواصل الإنساني وتبادل المنافع بين الأمم للاستفادة من المعطيات والمعارف النافعة ليتحقق بناء الفرد ونمائه وازدهاره، ازدهارا صالحا، علميا، وفكريا، وخلقيا، واجتماعيا، ونفسيا، واقتصاديا، وعسكريا، عبر وسائل متعددة يقتضيها الموقف التربوي".

            ولما كانت هذه الدراسة مما يمكن تصنيفه في إطار الدراسات الخاصة بمجال التربية الإسلامية، كان لا بد أن نضيف قيدا مهما يميز التفاعل الحضاري المنشود في التربية الإسلامية عن غيره في التربيات الأخرى، وعليه فإن المقصود من التفاعل الحضاري في التربية الإسلامية، هو:

            "التواصل الإنساني وتبادل المنافع بين الأمم للاستفادة من المعطيات والمعارف النافعة ليتحقق بناء الفرد ونمائه وازدهاره، ازدهارا صالحا، علميا، وفكريا، وخلقيا، واجتماعيا، ونفسيا، واقتصاديا، وعسكريا، عبر وسائل متعددة يقتضيها الموقف التربوي، مع مراعاة القواعد والأسس المستمدة من الكتاب والسنة والتي تستلزم تطهير التفاعل الحضاري وتنقيحه من الشوائب والمخالفات والشطحات، وكل ما يعكر صفوه .

            ولا شك أن التفاعل الحضاري أصبح ذا أهمية بالغة في وقتنا المعاصر، لكونه الركيزة الأساسية لنقل التراث الثقافي، والخبرات المعرفية والمهنية والتقنية من أمة إلى أخرى ومن حضارة إلى غيرها من الحضارات. [ ص: 33 ]

            وإذا كان المعـلم، الذي لا يتقن مهارات التواصل والتفاعل الصفي يصعب عليه النجاح في مهماته التعليمية، فلا شك أن الإخفاق في مهارات التواصل والتفاعل التربوي بين الحضارات والأمم يجعل التفاعل أكثر صعوبة وأشد خطورة.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية