الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثانيا: تعريف الضوابط:

            الضوابط جمع ضابط، والضابط لغة اسم فاعل من الضبط، قال ابن فارس [1] : "الضاد والباء والطاء أصل صحيح، ضبط الشيء ضبطا، والأضبط: الذي يعمل بيديه جميعا" [2] .

            وفي لسان العرب: "الضبط: لزوم الشيء وحبسه، وضبط الشيء حفظه بالحزم؛ والرجل ضابط أي حازم؛ ورجل أضبط: يعمل بيديه جميعا، وأسد أضبط: يعمل بيساره كعمله بيمينه" [3] .

            وجاء في تهذيب اللغة: "الضبط: لزوم شيء لا يفارقه في كل شيء، ورجل ضابط شديد البطش والقوة والجسم" [4] ، ويقال: "فلان لا يضبط عمله، إذا عجز عن ولاية ما وليه، ورجل ضابط: قوي على عمله" [5] . [ ص: 34 ]

            والضابطة: "الماسكة والقاعدة، وجمعه ضوابط" [6] ؛ ورسموا الضابطة بأنها: "أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه" [7] .

            ومنه ضبط المعرفة وهو: "سماع الكلام كما يحق سماعه، ثم فهم معناه، الذي أريد به، ثم حفظه ببذل مجهوده، والثبات عليه بمذاكرته إلى حين أدائه وكمال الوقوف على معانيه الشرعية" [8] .

            والضـابط اصطلاحا: "قضية كلية، من حيث اشتمالها بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها من باب واحد" [9] ، أي أن الضابط حكم كلي ينطبق على جزئياته.

            والضابط الفقهي هو: "حكم أغلبي يتعرف منه أحكام الجزئيات الفقهية المتعلقة بباب واحد من أبواب الفقه مباشرة" [10] .

            وقد استعمل بعض العلماء القاعدة والأصل [ ص: 35 ] والقانون والضابط بمعنى واحد، حيث لم يفرق بينها، ومن ذلك قولهم: "وفي العرف القاعدة والأصل والضابط والقانون: أمر كلي ينطبق على جزئياته لتعرف أحكامها منه" [11] . غير أن بعض أهل العلم يفرق بين القاعدة والضابطة، "بأن القاعدة تجمع فروعا من أبواب شتى، بينما الضابطة تجمعها من باب واحد" [12] .

            والخـلاصة: أن الضـابط في اللغـة يدور معناه حـول الحزم واللزوم والشدة، وكلها ألفاظ متقاربة في المعنى. واصطلاحا هو: حكم كلي ينطبق على جزئياته.

            وقد اخترت للضوابط تعريفا إجرائيا ليكون مناسبا لمقصود هذه الدراسة، بأنه: القواعد والقيود، التي تمنع عملية التفاعل الحضاري من الشوائب والمخالفات والشطحات.

            ولا شك أن معرفة الضوابط لها أهمية كبيرة في اتضاح الرؤية، وضبط الأمور، والتمييز بين الصواب والخطأ، ورد الجزئيات إلى كلياتها وأصولها.

            وتأتي أهمية الضوابط من أنها بالنسبة للعلوم "بمنزلة الأساس للبنيان، والأصول للأشجار، لا ثبات لها إلا بها، والأصول تبنى عليها الفروع، والفروع تثبت وتتقوى بالأصول، وبالقواعد والأصول يثبت العلم ويقوى وينمى نماء مطردا... وبها يحصل الفرقان بين المسائل، التي تشتبه كثيرا" [13] . [ ص: 36 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية