الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ثالثا: التفاعل الحضاري في مجال العادات والشعائر العامة:

            إن التدافع والتنازع والاختلاف في هذه الدنيا قائم بلا انقطاع، وهو سر من أسرار هذه الحياة، ولقد كان من مقتضى ذلك أن تتعدد المجتمعات في صفاتها، وتتنوع في سماتها، وتتميز في أفكارها وعقيدتها، وتتباين في عاداتها وتقاليدها، فتلتقي كل جماعة على صفات عامة تؤلف بينها، وتشد بنيانها، وتوثق تماسكها، وفي ذات الوقت تتميز كل جماعة عن غيرها بخصائص وعوامل تجعلها ذات استقلال وانفراد، وبهذا يكون تشابه أفراد المجموعة وتوافقها وانسجامها حافظا لها من التشتت والتفكك، ومخالفة المجموعة لغيرها وتميزها عمن لا يشاكلها حاميا لها من الذوبان والاضمحلال. [ ص: 67 ]

            والمنهج التربوي في الإسلام يقرر هذه السنة الإلهية، والفطرة البشرية، ويؤكد مبدأ تميز كل أمة عن غيرها.

            ولما بدأ انتشار الإسلام في جزيرة العرب اتخذ منهج التربية الإسلامية في علاقته بالعادات والتقاليد صورتين هما:

            الأولى: إقرار العادات، التي تحث على مبادئ فاضلة وقيم سامية، مع تهذيبها وفق مبادئ الشريعة الخالدة، ومن ذلك: حق الجار، وإكرام الضيف، ومساعدة الفقراء، ونجدة المحتاج، ومساعدة الغريب، وغير ذلك من الأخلاق والصفات الحميدة.

            الثانية: محاربة العادات والتقاليد، التي تتعارض مع ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ والتي قد تؤدي إلى الخلل الاجتماعي واضطراب القيم وانتشار الفساد والرذيلة، وضياع الأمن والسكينة، ومن ذلك عادة وأد البنات؛ وغيرها من العادات.

            إن تميز عادات الأمة وتقاليدها عن غيرها من العادات والتقاليد لهي ضرورة شرعية "تزداد كلما تقارب الزمان، وتقدمت وسائل الاتصال، واختلطت أمم الأرض بمناهجها وثقافاتها، وسارت البشرية نحو العالمية في نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها؛ لئلا تذوب الأمة الإسلامية في ثقافة أخرى أو تتراجع عن رسالتها في الحياة أمام حضارة غير حضارتها تنطلق من أسس أخرى، وتهدف إلى مقاصد وغايات تغاير مقاصد الأمة الإسلامية وغاياتها" [1] . [ ص: 68 ]

            لقد نهى منهج التربية الإسلامية عن التأثر والتفاعل مع غير المسلمين في مجال العادات والشعائر العامة، مثل: اللباس والزي، الأعياد، المظهر العام، والآداب العامة، وغيرها.

            وفي ضوء ذلك كله، يمكن القول: إن المسلمين كانوا يتفاعلون مع تراث الأقدمين، ويستفيدون منه، ويصيغونه صياغة إسلامية، تتماشى مع روح الإسلام وتعاليمه السامية، وكان تفاعلهم بعيدا كل البعد "عن العقائد والعبادات وعلوم الشريعة" [2] .

            والخلاصة، أن مجالات التفاعل الحضاري المحظورة، هي التي تخالف الأدلة الثابتـة القطعيـة، التي تفـيد العـلم اليقيني أو الظن الراجح، وهذه الأدلة هي أدلة الكتاب و السنة والتي لا يجوز لمسلم أن يتخير فيها، كما قال تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) (الأحزاب: 36).

            التالي السابق


            الخدمات العلمية