الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            ثالثا: استشراف المستقبل وعلاقته بقاعدة اعتبار المآل:

            لقد أرشد الإسلام إلى دراسة العواقب لمعرفة ما قد ينتج من الأفعال من مصالح أو مفاسد، فإن كانت عاقبة الفعل، الذي يقدم عليه الشخص حسنة، فإنه لا محظور في الإقدام عليه، وربما يكون واجبا أو مندوبا أو مباحا، حسب المصلحة المراد تحقيقها، وإن كانت عاقبته سيئة فإن الشارع أمر بدرء المفاسد الحاضرة والمستقبلية. [ ص: 186 ]

            لذا فـإن الاهتمـام بالمستقبـل "ليس ترفا فـكريا، بل هـو ضـرورة يأمر بها الدين، وتفرضها التغييرات المتسارعة، التي يعرفها عالمنا المعاصر" [1] .

            والنظر في "مآلات الأفـعال معتبر مقصود شرعا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه... وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة.. فإن الأعمال - إذا تأملتها - مقدمات لنتائج المصالح; فإنها أسباب لمسببات هي مقصودة للشارع، والمسببات هي مآلات الأسباب; فاعتبارها في جريان الأسباب مطلوب، وهو معنى النظر في المآلات" [2] .

            ولقد اهتم القرآن الكريم والسنة المطهرة بمراعاة المآل والعواقب، ومن مظاهر ذلك: النهي عن سب آلهة المشركين، قال تعالى: ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) (الأنعام: 108). [ ص: 187 ]

            ومنها: خرق الخضر السفينة منعا من استيلاء الملك الظالم عليها، قال تعالى: ( أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) (الكهف: 79).

            ومـن مظاهر اعتبار المآل في السنة: النهي عن قتل المنافقين، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ) [3] ، ومنها: تركه صلى الله عليه وسلم الأعرابي، الذي بال في المسجد ليستمر في بوله، وقال لأصحابه: ( دعوه، لا تزرموه، ‏ ) فتركوه حتى بال‏ [4] .

            ومنها: تركه صلى الله عليه وسلم هدم الكعبة، معللا ذلك بقوله: ( يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهدهم بكفر؛ لنقضت الكعبة، فجعلت لها بابين، باب يدخل الناس، وباب يخرجون ) [5] .

            فلولا مراعاة المآلات والنتائج، كما يقول الريسوني: "لوجب قتل المنافقين، وإعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم، ومنع الأعرابي من إتمام عمله المنكر الشنيع، ولكن الأول كان سيفضي إلى نفور الناس من الإسلام خشية أن يقتلوا بتهمة النفاق ... ، والثاني يؤدي إلى اعتقاد العرب أن النبي صلى الله عليه وسلم يهدم المقدسات ويغير معالمها، والثالث ليس فيه إلا أن ينجس البائل جسمه وثوبه، وربما نجس مواضع أخرى من المسجد، وربما كان ضررا صحيا عليه" [6] . [ ص: 188 ]

            فهذه الأدلة وغيرها تعلمنا أن نحسب للمستقبل حسابه، ونضبط الواقع والحاضر بناء على استشراف المستقبل، ومن هنا تظهر العلاقة بين الدراسات المستقبلية وبين النظر في المآل، ذلك أن من طرق تحقيق المصالح ودرء المفاسد المستقبلية دراسة العواقب والمآلات، وهذا ما تبحثه الدراسات المستقبلية، فالعلاقة إذا، أن كلا منهما يدرس العواقب.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية