الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            ضوابط التفاعل الحضاري (وسائله وآثاره التربوية)

            الأستاذ / عبد الولي محمد يوسف

            ثانيا: أهمية التخصص واحترامه في منهج التربية الإسلامية:

            دعا المنهج التربوي في الإسلام إلى احترام التخصص، وإسناد الأمر إلى أهل الخبرة، ورد المشكلات والمدلهمات إلى العلماء الربانيين، فمرة جاء الأمر الرباني برد الأمور إلى أهلها، المختصون بها، فقال سبحانه: ( وإذا جاءهم [ ص: 173 ] أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) (النساء: 83)؛ وهذا تأديب -كما يقول السعدي- من "الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة، والمصالح العامة، ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين، أو بالخوف، الذي فيه مصيبة عليهم، أن يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر، بل يردونه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإلى أولي الأمر منهم، أهل الرأي، والعلم، والنصح، والعقل، والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها..." [1] .

            وتارة أخرى أمر الله سبحانه بسؤال أهل الذكر، فقال سبحانه: ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) (الأنبياء: 7). وفي حديث القرآن عن صفات الأنبياء نجد تخصيصا لكل منهم بصفة معينة، اختص بها دون سائر الأنبياء، فإبراهيم، عليه السلام، خليل الرحمن، وموسى كليم الله، وهكذا نجد الاختصاص عند الأنبياء، عليهم السلام.

            وفي السنة النبوية أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعلم، إلى سؤال من يعلم، بل وبخ من يتسرع في الدخول إلى غير اختصاصه، فقال عليه السلام في قصة الرجل، الذي اغتسل وبه جرح في الرأس: ( قتلوه، قتلهم الله, ألا سألوا إذا لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال ) [2] . [ ص: 174 ]

            وتطبيق التخصص العلمي كان موجودا عند الصحابة، رضوان الله عليهم، حيث اشتـهر بعضهم بتخصصات شرعية دون سائر الصحابة، ويشهد لذلك ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( استقرئوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود, وسالم مولى أبي حذيفة, وأبي بن كعب, ومعاذ بن جبل ) [3] وقال صلى الله عليه وسلم : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي بن أبي طالب، وأقرؤهم لكتـاب الله أبي بن كعـب، وأعـلمـهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، ألا وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ) [4] .

            ولم يكن منهـج التربية الإسلامية يقتصر على الدعوة إلى احتـرام التخصـص فحسـب، وإنـما شـدد في من يتولى أمرا من غير اختصاصه، وفرض عـليه ضمـان مـا أفسـده بجهله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من تطبب, ولم يعلم منه طب قبل ذلك, فهو ضامن ) [5] . [ ص: 175 ]

            فالتخصص العلمي ليس مصطلحا حديثا يعود الفضل فيه للغرب، بل هو سنة كونية متوافقة مع الفطرة الإنسانية، كان للمنهج الإسلامي قصب السبق إليه، وطبقه المسلمون إبان ازدهار الحضارة الإسلامية، وما دام الأمر كذلك، فلا بد "من التأكيد على جانب التخصص، وإشاعة هذا المفهوم الذي كان أساسا من أسس البناء الحضاري الإسلامي، ودافعا قويا لتقدم العلم الصحيـح والمعرفة الحـق، وذلك في جـانب الدراسـات النظرية؛ إذ لا يقبـل ولا يسمح القانون في الدراسات العملية بتجاوز أحد لاختصاصه، ويجب أن يعمم ذلك ويسود هذا الفكر في جميع حقول المعرفة، والساحة العلمية؛ ليحصل الضبط والترقي، وإلا سنبقى في حلقة من العبث، ونتردى في الضحالة" [6] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية