2- التفاعل في مجال اللغات:
لما كانت رسالة الإسلام عالمية، احتاج المسلمون إلى تعلم لغات المراسلة والتفاهم وقتئذ، وقد وكل النبي صلى الله عليه وسلم لهذه المهمة زيد بن ثابت رضي الله عنه لما كان يتمتع به من حافظة قوية، فعنه رضي الله عنه قال: ( ذهب بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجب بي، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا زيد، تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتابي.. قال زيد: فتعلمت كتابهم ) [1] .. وتعلم زيد أيضا: "الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوما، وتعلم الحبشية والرومية والقبطية من خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم " [2] . [ ص: 50 ]
ولما كانت لغة العلم يومئذ هي "الإغريقية واللاتينية، فقد اتجه المسلمون إلى تعلم هاتين اللغتين، حتى يستطيعوا نقل العلم إلى اللسان العربي، ومن هذه النقطة بدأوا حركتهم العلمية، فترجموا كل ما كان معروفا يومئذ، وعكفوا على دراسته متتلمذين عليه كما هو الأمر الطبيعي في مثل هذه الأحوال، وإن كان سرعان ما اكتسبوا الحاسة العلمية لأنفسهم، وأخذوا يصححون الأخطاء، التي كان العلم الإغريقي يحتوي عليها" [3] .
والخـلاصـة، أن النمـاذج، التي تدل على استفـادة المسـلمـين مـن غـيرهم في شتى ميادين الحياة الدنيوية، لا حصر لها، وكلها ترجع في جوازها إلى قاعدة نبوية، وهي قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنتم أعلم بأمر دنياكم ) [4] ، إلا أن المطـلوب هـو أن يكون التفاعل الحضاري بعقلية إسلامية، منطلقة من ثـوابتـها العـقـائـديـة، أهـدافـا ومنهـجـا ومبـادئا، منفتحة على الفكر الآخر، نقدا واقتباسا ومنافسة. [ ص: 51 ]