3143 ص: فهذا كل ما روينا في هذا الباب عن رسول الله - عليه السلام - ، وعن أصحابه من بعده ، وعن تابعيهم من بعدهم ، كلها على أن صدقة الفطر من الحنطة نصف صاع ، ومما سوى الحنطة صاع ، وما علمنا أحدا من أصحاب رسول الله - عليه السلام - ولا من التابعين روي عنه خلاف ذلك ، فلا ينبغي لأحد أن يخالف ذلك إذ كان قد صار إجماعا في زمن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - رضي الله عنهم - إلى زمن من ذكرنا من التابعين .

التالي السابق

الشرح

ش: كَلِمَةُ "هَذَا " لِلتَّنْبِيهِ ; يُنَبِّهُ بِهَذَا أَنَّ كُلَّ مَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَعَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَعَنِ التَّابِعِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ، عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الْقَمْحِ نِصْفُ صَاعٍ ، وَمَا سِوَاهُ نَحْوَ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ صَاعٌ ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ; يَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ ، وَلَا يُجَاوَزُ إِلَى غَيْرِهِ .

قَوْلُهُ : "وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا . . ." إِلَى آخِرِهِ .

فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي "مُصَنَّفِهِ " : عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : "كَتَبَ إِلَيْنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ : بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ صَاعٌ صَاعٌ " .

وَرَوَى عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَمَسْرُوقٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ :

[ ص: 231 ] قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ : ثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ، قَالَ : "عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ صَاعٌ مِنْ قَمْحٍ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ " .

ثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، قَالَ : سَمِعْتُ مَسْرُوقًا يَقُولُ : "صَدَقَةُ الْفِطْرِ : صَاعٌ صَاعٌ " .

ثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ : "صَاعٌ صَاعٌ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مَكْتُوبٌ " .

قُلْتُ : أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الْقَمْحِ صَاعٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ غَالِبِ مَا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ وَهُوَ التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَنَحْوُهُمَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ صَاعٌ بِطَرِيقِ الْفَضْلِ لَا الْوُجُوبِ ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ هُوَ نِصْفُ الصَّاعِ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْبَابِ .

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الْخِلَافِيَّاتِ " : جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ، وَأَحَادِيثُ فِي نِصْفِ صَاعٍ ، وَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .

قُلْتُ : فِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ فِي نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ جَاءَتْ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا مَرَّ ذِكْرُهَا ، فَنَفْيُهُ مَنْفِيٌّ .

ش: كلمة "هذا " للتنبيه ; ينبه بهذا أن كل ما رواه في هذا الباب عن رسول الله - عليه السلام - ، وعن أصحابه من بعده ، وعن التابعين من بعدهم ، على أن صدقة الفطر من القمح نصف صاع ، وما سواه نحو التمر والشعير صاع ، فإذا كان كذلك ; يتعين الوقوف عند ذلك ، ولا يجاوز إلى غيره .

قوله : "وما علمنا أحدا . . ." إلى آخره .

فإن قيل : قد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه " : عن أبي داود ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : "كتب إلينا ابن الزبير : بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان صدقة الفطر صاع صاع " .

وروى عن أبي العالية ومسروق وأبي عبد الرحمن كذلك :

[ ص: 231 ] قال ابن أبي شيبة : ثنا جرير ، عن عاصم ، عن أبي العالية ، قال : "عن كل إنسان صاع من قمح في صدقة الفطر " .

ثنا غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت مسروقا يقول : "صدقة الفطر : صاع صاع " .

ثنا غندر ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبد الرحمن يقول : "صاع صاع عن كل صغير وكبير مكتوب " .

قلت : أما حديث أبي الزبير فليس فيه ما يدل على أن صدقة الفطر من القمح صاع ، وإنما هو إخبار عن غالب ما كانوا يؤدونه وهو التمر والشعير ونحوهما ، وكذلك قول مسروق وأبي عبد الرحمن .

وأما قول أبي العالية فمحمول على أن ذلك صاع بطريق الفضل لا الوجوب ، وإنما الواجب هو نصف الصاع على ما دلت عليه الأخبار المذكورة في هذا الباب .

وقال البيهقي في "الخلافيات " : جاءت أحاديث في صاع من بر ، وأحاديث في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك .

قلت : فيه نظر ; لأن في نصف صاع من بر جاءت أخبار صحيحة على ما مر ذكرها ، فنفيه منفي .