المسألة التاسعة: : فسخ الحكر، وقسمة المال بين المحكر والمستحكر
عقد التحكير قد يطرأ عليه الفسخ الاختياري بين الطرفين، أو الإجباري بسبب أمر خارج عنهما، وعند انفساخ هذا فإنه لا بد من تقرير ما يخص [ ص: 116 ] المستحكر والمحكر وبيان استحقاق كل واحد منهما، ومن ثم السعي لتسليم كل ما يخصه.
فإذا تحصل مال يخص عقارا مملوكا لجهة معينة، وهذه الجهة قد قامت بتحكيره على طرف آخر، فتعلق بهذا العقار حقان: حق لمالك العين، وحق للمستحكر لهذه العين - وهو من استحكر هذه العين لمدة طويلة، وأنشأ عليها أعيانا يملكها ويستثمرها، ويدفع لصاحب العين مقابل هذا الحكر أجرة سنوية - وهو حق الانتفاع بها، فإن صاحب العين له حق هذا المال، وصاحب الحكر له حق فيه، فإن اتفقوا على أن يشتري بهذا المال كاملا عقارا آخر، ويكون أنقاضه للمستحكر، ورقبته للمحكر، ويستمر المستحكر في استغلال عينه، وبذل الأجرة لصاحبه، فإنهم يمكنون من ذلك ، ويشتري بثمن الدور المهدومة دورا أخرى، ويشترط فيها ما شرط في أصلها ، وتبقى الحال على ما كانت عليه ، فأهل الدور في أيديهم الدور، وأهل رقبة الأرض لهم المطالبة فيما سمي لهم من الحكر - الأجرة - .
أما لو رغب أصحاب البناء الحصول على قيمة البناء، ولم يرغبوا في شراء البدل، فإنه يعمد إلى المهايأة، وتقدير ما يستحقه أهل البناء، وما يستحقه أهل الأرض المحكرة، ويتم قسمة المال بينهم على مثل قيمة أجر الأرض، ومثل أجر البناء .
وفي فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم: "وهو أن يشتري بثمن الدور المهدومة دورا أخرى، ويشترط فيها ما شرط في أصلها، وتبقى الحال على [ ص: 117 ] ما كانت عليه ، أهل الدور في أيديهم الدور، وآل غالب لهم المطالبة فيما سمي لهم من الحكر".
وفيه أيضا: "الحكم فيما إذا رغب أصحاب البناء الحصول على قيمة البناء ولم يرغبوا شراء البدل ... تدفع القيمة لمن في أيديهم الدور...، ويكون ذلك بواسطة المحكمة الكبرى بمكة لتطبيق ما صدر منها، وتشرف على صرف القيمة في دور أخرى بدل الدور المهدومة".
وفيه أيضا: "ليس للمحكر والحال ما ذكر منع المستحكر من رفع الأنقاض القديمة بالأرض، ووضعه مكانها عمارة جديدة" .
وفيه أيضا: "وبتأمل الجميع ظهر أن هذا الجزء المختزل لتوسعة الشارع قد تعلق به حق المالك المستحكر، كما تعلق به حق أصحاب الحكر، فأما أصحاب الحكر فليس لهم إلا حكرهم لا يزاد ولا ينقص، وأما المالك فهو صاحب الحق له غنمه وعليه غرمه، ولهذا فلو باع هذا الجزء على إنسان غير البلدية لاستحق جميع الثمن، ولم يكن عليه سوى أن يشترط على المشتري قسطه من الحكر، فأما وقد أدخلت تبع الشارع وتعذر الرجوع بالحكر على أحد للسنين المستقبلة فينبغي أن يعرض عليهما الصلح، فإن لم يتفقا على شيء فيشترى بهذا التعويض أرض أو بيت يكون ملكا للمستحكر الأول، ويجعل فيه قسطه من الحكر السابق حكمه حكم أصله، وبهذا يحصل العدل وإيصال كل ذي حق حقه" . [ ص: 118 ]