الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث السادس

        استدانة الناظر على الوقف

        الاستدانة: مصدر استدان من الدين، قال أبو عبيد : الدين واحد الديون، والدين لغة : يطلق على غير الحاضر، وعلى ما في الذمة من القرض وثمن المبيع.

        وفي الاصطلاح: أن يشتري للوقف شيئا وليس في يده شيء من غلات الوقف ليرجع بذلك فيما يحدث من غلة الوقف .

        الوقف وفيه مطلبان:

        المطلب الأول

        ملكية الناظر للاستدانة على الوقف .

        إذا احتاج الوقف للمال لعمارته وصيانته، كأن يكون دارا تهدمت فتحتاج إلى عمارة، أو احتاجت إلى ترميم، أو بستانا فاحتاج إلى حفر بئر لاستخراج الماء له، وليس عند الناظر ريع يعمل به ذلك، فهل يملك الاستدانة لذلك على أن يوفيه فيما بعد، أو لا يملكها؟. [ ص: 88 ]

        اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :

        القول الأول: أن الناظر يملك الاستدانة على الوقف إذا كان فيها مصلحة له .

        وبهذا قال أكثر الحنفية، والمالكية، والشافعية ، والحنابلة .

        لكنهم اشترطوا لذلك شروطا سيأتي ذكرها قريبا إن شاء الله تعالى .

        القول الثاني : أن الناظر لا يملك الاستدانة على الوقف مطلقا .

        وبهذا قال هلال من الحنفية.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        يمكن الاستدلال لأصحاب هذا القول بعموم ما يأتي :

        1- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : إلا من صدقة جارية ...".

        وجه الاستدلال : أن مقصد الواقف هو استمرار الانتفاع به، وفي الاستدانة على الوقف إذا احتاج إليها لإصلاحه وتعميره استمرار له، وفي عدمها تعطيل وخراب له، فتجوز الاستدانة لذلك. [ ص: 89 ]

        2- ما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".

        وجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين فيه النهي عن إضاعة المال، وفي عدم الاستدانة على الوقف لإصلاحه وتعميره إذا احتاج إلى ذلك خراب وتعطيل له، فيدخل ذلك في إضاعة المال المنهي عنها في هذا الحديث.

        دليل القول الثاني:

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        أن عمارة الوقف إذا احتاج إليها إنما تكون من غلته، ولا يصح جعلها فيما سوى ذلك، فلا تجوز الاستدانة عليه.

        ونوقش: بأنه إذا كان هناك ما يعمر به الوقف دون استدانة فإن الاستدانة لذلك لا تصح، وإنما الكلام فيما إذا لم يوجد إلا الاستدانة، فيجوز العمارة بها استدامة للوقف، وحفاظا عليه.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم بالصواب ; لعموم أدلتهم، ولما فيها من المصلحة الظاهرة للوقف والواقف عليه، وحفظ الوقف من الخراب; إذ من صور التنمية للوقف من خلال المحافظة على أصله تمويله بالاستدانة من أجل عمارته . [ ص: 90 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية