الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثالثة: أثر شرط الواقف في استثمار الوقف:

        شرط الواقف المؤثر في استثمار الوقف لا يخرج عن حالات ثلاث:

        الحال الأولى : أن يشترط الواقف في وقفه الاستثمار.

        فإذا كان هذا الشرط محققا لمصلحة الوقف، ولم يترتب على العمل به مفسدة تمنع من إجرائه، فالحكم بوجوب العمل به ظاهر .

        والاستبدال صورة من صور الاستثمار، وقد نص الفقهاء على جواز الاستبدال في هذه الحالة، وفي العناية أن أبا يوسف يرى جواز الشرط، وقد حكى ابن عابدين الاتفاق عليه.

        الحال الثانية : أن يشترط الواقف عدم الاستثمار، سواء كان ذلك الشرط مطلقا يمنع أي نوع من الاستثمار، أو مقيدا يمنع نوعا معينا منه .

        فإن كان المنع من الاستثمار يحقق مصلحة الوقف وجب الأخذ به فيما يحقق ذلك، وأما إن عاد بالضرر على الوقف، أو كانت المصلحة متحققة في الاستثمار خلافا لما شرطه الواقف، فإنه يشرع مخالفته حينئذ تحقيقا لمصلحة الوقف والواقف والموقوف عليه، وقد تقدم مبحث شروط الواقفين، حكم مخالفة شرط الواقف للمصلحة . [ ص: 132 ] الحال الثالثة : أن لا يذكر الواقف أي شرط يتعلق بالاستثمار:

        والذي يظهر في هذه الحالة أنه مع مراعاة ضوابط الاستثمار الآتية مما يتعلق بالمصلحة وأمن المخاطرة والحذر مما فيه غبن أو تهمة ونحوه، فإن الاستثمار مشروع ولو لم يشترط الواقف ذلك ; لأن ما يحقق مصلحة الواقف ويعود بالنفع على الموقوف عليه أمر مشروط اقتضاء حال إقامة الوقف، حتى ولو بان أنه خلاف مراد الواقف في الظاهر; لأن العبرة بحقائق الأمور ومقاصدها ومآلاتها.

        قال العز بن عبد السلام: "يتصرف الولاة ونوابهم بما ذكرنا من التصرفات بما هو الأصلح للمولى عليه درءا للضرر والفساد، وجلبا للنفع والرشاد، ولا يقتصر أحدهم على الصلاح مع القدرة على الأصلح إلا أن يؤدي إلى مشقة شديدة، ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم، مثل أن يبيعوا درهما بدرهم، أو مكيلة زبيب بمثلها; لقول الله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ، وإن كان هذا في حقوق اليتامى فأولى أن يثبت في حقوق عامة المسلمين فيما يتصرف فيه الأئمة من الأموال العامة ; لأن اعتناء الشرع بالمصالح العامة أوفر وأكثر من اعتنائه بالمصالح الخاصة، وكل تصرف جر فسادا ، أو دفع صلاحا فهو منهي عنه كإضاعة المال بغير فائدة" .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية