الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثاني

        الوثيقة بالشهادة على الوقف

        ولهذه الوثيقة ثلاث أحوال :

        الحال الأولى: خط الشاهد بشهادته على الوقفية:

        وصورة ذلك : أن يشهد إنسان على واقعة وقف ويكتب شهادته; لئلا ينساها، وقد أوجب بعض الفقهاء كتابة الشاهد شهادته في حق سيئ الحفظ ; إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

        ولا يعمل بهذه الشهادة إلا إذا حضر الشاهد وأداها عند القاضي بلفظه ما دام ناطقا، إلا الأخرس فإنها تقبل منه بخطه لدى القاضي.

        فإذا طلبت الشهادة المكتوبة من الشاهد وقد نسيها، فهل يجوز له أن يشهد بما فيها إذا عرف خطه ولو لم يذكر الشهادة؟

        للحنابلة ثلاث روايات :

        الأولى : أنه لا يشهد على خطه إلا إذا ذكر الشهادة من حفظه .

        الثانية : أنه يشهد إذا عرف خطه .

        الثالثة : أنه يشهد إذا كان خطه بالشهادة محفوظا عنده وتحت حرزه، وإلا فلا . [ ص: 491 ]

        والأقرب : أنه يجوز له بناء على خطه متى عرفه، وتأكد منه، وتقبل هذه الشهادة، قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في سيئ الحفظ: "إذا بادر وأرخه فلا مانع من قبول شهادته ، العلة منتفية" .

        الحال الثانية: الوثيقة التي بها شهادة شاهد ميت أو غائب غيبة بعيدة أو منقطعة فلا يدرى مكانه:

        وللعلماء في العمل بهذه الكتابة قولان:

        القول الأول: يعمل بشهادة الشاهد الميت أو الغائب غيبة بعيدة، أو مجهول متى تعذر حضوره عند القاضي إذا كان قد كتبها الشاهد بخطه .

        وهذا مذهب مالك وهو المشهور عند المالكية، وقول في مذهب الإمام أحمد، اختاره ابن تيمية.

        قال المرداوي: "وعمل به كثير من حكامنا".

        وعللوا بما يلي:

        1- أن كتابة الشهادة كالنطق بها .

        2- كما يجوز الشهادة على الشهادة، فإنه يجوز الشهادة على الشهادة المكتوبة. [ ص: 492 ]

        3- أن الكتابة تدل على المشهود به كدلالة اللفظ; إذ يحصل للشاهد العلم بالكتابة .

        القول الثاني: أن الشاهد الميت، والغائب غيبة بعيدة أو مجهولة إن كتب شهادته بخطه لم يعمل بها.

        وهذا مذهب الحنفية، وبعض المالكية، وهو مذهب الشافعية، والمشهور عند الحنابلة.

        وحجته : بأن اعتماد الشاهد على خط الشاهد الغائب أو الميت إنما هو على ظن حصل في ذهنه، وليس ذلك مدركا للشهادة.

        والذي يظهر : هو رجحان القول الأول; لقوة ما علل به قائلوه .

        وعلى هذا يكون الخط المعروف من الشاهد بشهادة، ولكن لا تكفي بمفردها حتى يشهد بها عند الحاكم من يعرف خط الكاتب، فتكون بمثابة الشهادة على الشهادة.

        وفي الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : "من عرف خطه بإقرار أو إنشاء أو عقد أو شهادة عمل به كالميت...". [ ص: 493 ]

        وقال ابن منقور: "والذي تقرر لنا أنه إذا عرف خط الثقة العدل بشهادته أنه يجوز له الحكم بها ...; إذ العمل عليه ".

        وقال ابن منقور عن بعض المتأخرين عن ابن تيمية قوله: "فإذا كان شخص ما له طريق يتوصل إلى حقه إلا بالشهادة على خط الشهود، فإذا أقام بخط كل واحد من الشاهدين شاهدين ساغ للحاكم الإقدام عليه والحكم به، ولئلا يضيع حق هذا، وله طريق يتوصل به إلى حقه؟ فليس في الكتاب والسنة نهي عن هذا...".

        التالي السابق


        الخدمات العلمية