الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثالث

        القسم الثالث: الأمراض الممتدة

        الأمراض المزمنة، أو الممتدة هي التي تطول وتستمر زمنا طويلا . فإذا وقع الشخص في مرض من ذلك، فاختلف العلماء رحمهم الله في حكم وقفه على قولين:

        القول الأول: أن حكمه حكم الصحيح في جميع تبرعاته إلا إن أصبح مخوفا كالقسم الثاني .

        وهو قول جمهور أهل العلم من الحنفية، والمالكية، والشافعية .

        قال الكاساني: "وكذلك صاحب الفالج ونحوه إذا طال به ذلك فهو في حكم الصحيح; لأن ذلك إذا طال لا يخاف منه الموت غالبا ، فلم يكن مرض الموت، إلا إذا تغير حاله من ذلك ومات من ذلك التغير ، فيكون حال التغير مرض الموت; لأنه إذا تغير يخشى منه الموت غالبا، فيكون مرض الموت، وكذا الزمن والمقعد".

        وجاء في فتاوى عليش: "قال ابن سلمون: ولا يعتبر في المرض العلل المزمنة التي لا يخاف على المريض منها كالجذام والهرم، وأفعال أصحاب [ ص: 328 ] ذلك أفعال الأصحاء بلا خلاف ا.هـ، قال عبد الباقي: وفي المدونة كون المفلوج والأبرص والأجذم وذي القروح من الخفيف ما لم يقعده ويضنه ، فإن أقعده وأضناه وبلغ به حد الخوف عليه ، فله حكم المرض المخوف".

        ويرجع في معرفة كون التغير مخوفا إلى الأطباء العارفين بالأمراض .

        القول الثاني: إن صار صاحبها صاحب فراش فهي مخوفة، وإن لم يصر صاحب فراش فعطاياه كصحيح.

        وهو مذهب الحنابلة .

        الأدلة:

        حجة الجمهور:

        1- عموم أدلة الوقف، وهذا يشمل المريض مرضا ممتدا .

        2- أن الأصل صحة التبرعات ; لبقاء الأهلية، إلا لدليل .

        3- أنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ منه فهو كالهرم. [ ص: 329 ]

        حجة الحنابلة:

        أنه مريض صاحب فراش يخشى التلف أشبه صاحب الحمى الدائمة .

        الترجيح :

        الراجح - والله أعلم - قول جمهور أهل العلم أن صاحب المرض الممتد عطاياه كالصحيح، إلا إن صار مرضه مخوفا; إذ الدليل ورد في المرض المخوف.

        تنبيه : ما يتعلق بوقت اعتبار الثلث، وكون الموقوف عليه وارثا، وما يتعلق بإثبات مرض الموت، ونحو ذلك من مسائل سبق بحثها في كتابنا أحكام الهبة ; إذ الجامع في كل التبرع. [ ص: 330 ] [ ص: 331 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية