الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني

        اشتراط الواقف الولاية لنفسه

        اختلف الفقهاء في صحة اشتراط الواقف الولاية على الوقف لنفسه، وذلك على ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن للواقف الحق في اشتراط النظر لنفسه، والشرط صحيح.

        وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية، والشافعية، والحنابلة.

        قال ابن القيم رضي الله عنه : "إذا وقف وقفا وجعل النظر فيه لنفسه مدة حياته، ثم من بعده لغيره صح ذلك عند الجمهور، وهو اتفاق من الصحابة ".

        القول الثاني : أنه لا يصح اشتراط الواقف النظر لنفسه، والوقف والشرط باطلان.

        وبه قال محمد بن الحسن، وهلال من الحنفية - في رواية عنهما . [ ص: 368 ]

        القول الثالث: أن اشتراط الواقف الولاية لنفسه يبطل الوقف إن حصل مانع قبل الاطلاع عليه وحيازته، ما لم يكن وقفه على محجور، فيصح مطلقا.

        وبه قال المالكية.

        الأدلة:

        أدلة أصحاب القول الأول: (للواقف الحق في اشتراط النظر لنفسه) :

        1- الأدلة الدالة على صحة شروط الواقفين، وهذه بعمومها تشمل شرط الواقف النظر لنفسه.

        2- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إنما الولاء لمن أعتق" .

        فإذا كان المعتق أولى بالولاء كان الواقف أولى بوقفه.

        3- قياس شرط الولاية لنفسه على سائر شروطه في وجوب المراعاة، كما في تعيين الموقوف عليه ، وصفته، وقدر استحقاقه .

        4- أن المتولي إنما يستفيد الولاية من جهة الواقف بشرطه، فيمتنع ألا تكون له الولاية بشرطه، وغيره يستفيد الولاية منه.

        5- أن الواقف هو أقرب الناس إلى هذا الوقف، فيكون أولى بولايته ، كمن اتخذ مسجدا يكون أولى بعمارته، ونصب المؤذن فيه ; لأنه أقرب الناس إليه. [ ص: 369 ]

        دليل أصحاب القول الثاني: (لا يصح الواقف النظر لنفسه) :

        أن اشتراط الواقف النظارة لنفسه يمنع إخراج العين من يده، والوقف لا يصح إلا بإخراجه من يد واقفه، وتسليمه إلى غيره .

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن بقاء العين في يد واقفها يتولى أمرها لا تأثير له على صحة الوقف; إذ ليست الحيازة شرطا لا لصحة الوقف، ولا للزومه على الصحيح ، كما تقدم تقريره.

        فهم يعطون للواقف الحق في اشتراط النظر لنفسه ما لم يكن ذلك مانعا للحيازة المعتبرة عندهم، كما سبق توضيح ذلك في إعطائهم الواقف حق الولاية الأصلية على الوقف.

        دليل أصحاب القول الثالث: (أن اشتراط الواقف الولاية لنفسه يبطل الوقف إن حصل مانع قبل الاطلاع عليه وحيازته، ما لم يكن وقفه على محجور، فيصح مطلقا) :

        1- استدلوا على إبطال الوقف عندهم: بما استدل به أصحاب القول الثاني ; لأنهم يوافقون أصحاب القول الثاني في اشتراط إخراج العين عن يد واقفها .

        2- واستدلوا على حالة تصحيح الوقف والشروط عندهم: بأن اشتراط الواقف النظر لنفسه فيما وقفه على محجوره اشتراط لما يوجبه الحكم له، واشتراط ما يوجبه الحكم جائز لا كراهة فيه، وهم يسقطون اشتراط الإخراج عن اليد إذا وقف على محجوره. [ ص: 370 ]

        ونوقش هذا الاستدلال: بأنه إذا كان اشتراط ما يوجبه الحكم جائزا بلا كراهة ، فيلزم منه أن يصح اشتراط الواقف النظر لنفسه مطلقا دون تخصيص حالة دون حالة; لأن الصحيح أنه لا يشترط إخراج العين عن يد واقفها.

        الترجيح :

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بأحقية الواقف في اشتراط النظارة لنفسه ; لقوة ما استدلوا به، ولما سبق أن الراجح إعطاء الواقف الحق في الولاية على الوقف بلا شرط، فإعطاؤه الحق في الولاية بالشرط أولى وأحرى.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية