الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الرابع

        استبدال الوقف إذا تعطلت منافعه

        ومثال ذلك: الدار إذا انهدمت، والأرض إذا خرجت وعادت مواتا، والمسجد إذا انتقل أهل البلد عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، فهل يملك الناظر استبداله، أو لا يملكه؟.

        اختلف الفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال:

        القول الأول: أن الناظر يملك بيع الوقف والاستبدال به في مثله عند تعطل منافعه.

        وهذا هو الأصح عند الحنفية، وبه قال الإمام مالك في رواية عنه، [ ص: 31 ] وبه قال بعض الشافعية، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية .

        قال شيخ الإسلام: "ومع الحاجة يجوز إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه لظهور المصلحة وصريحه الوجوب".

        جاء في رد المحتار: "لكن صار بحيث لا ينتفع به بالكلية بأن لا يحصل منه شيء أصلا، أو لا يفي بمؤنته فهو أيضا جائز على الأصح إذا كان بإذن القاضي ورأيه المصلحة فيه" .

        وجاء في الشرح الكبير : "فإن تعطلت منافعه بالكلية كدار انهدمت، أو أرض خربت وعادت مواتا لا يمكن عمارتها، أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلى فيه، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ، فإن أمكن بيع بعضه ليعمر به بقيته جاز بيع البعض وإن لم يمكن الانتفاع بشيء منه بيع جميعه، قال أحمد في رواية أبي داود : إذا كان في المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه، وقال في رواية صالح: يحول المسجد خوفا من اللصوص وإذا كان موضعه قذرا. قال القاضي: يعني إذا كان ذلك يمنع الصلاة فيه ، ونص على جواز بيع عرصته في رواية عبد الله .

        قال أبو بكر : وقد روى علي بن سعيد: أن المساجد لا تباع وإنما تنقل آلتها ، قال : وبالقول الأول أقول لإجماعهم على بيع الفرس الحبيس يعني [ ص: 32 ] الموقوفة على الغزو إذا كبرت فلم تصلح للغزو وأمكن الانتفاع بها في شيء آخر، مثل أن تدور في الرحا، أو يحمل عليها تراب، أو تكون الرغبة في إنتاجها أو حصانا يتخذ للطراق، فإنه يجوز بيعها ويشترى بثمنها ما يصلع للغزو، نص عليه أحمد"..

        واشترط الحنفية لذلك شروطا :

        1- أن تنقطع منافعه بالكلية .

        2- أن يكون بإذن القاضي.

        3- أن لا يكون هناك ريع يعمر به .

        4- أن لا يكون البيع بغبن فاحش.

        5- زاد ابن نجيم أن يكون ذلك في الأراضي دون الدور .

        القول الثاني : أن الناظر لا يملك بيع الوقف والاستبدال به، وإن تعطلت منافعه.

        وبهذا قال بعض الحنفية، وهو مذهب المالكية في العقار دون المنقول، ومذهب الشافعية ، وهو رواية عن الإمام أحمد.

        جاء في منح الجليل شرح مختصر خليل: "وفيها لربيعة رحمه الله أن الإمام [ ص: 33 ] يبيع الربع إذا رأى ذلك لخرابه ، وهي إحدى روايتي أبي الفرج، ابن عرفة : وفي جواز المناقلة به بربع غير خرب.

        قول الشيخ في رسالته، وابن شعبان، وابن رشد: إن كانت هذه القطعة من الأرض المحبسة انقطعت منفعتها جملة وعجز عن عمارتها وكرائها، فلا بأس بالمعاوضة فيها بمكان يكون حبسا مكانها، ويكون ذلك بحكم من القاضي بعد ثبوت ذلك السبب والغبطة في المعوض عنه، ويسجل ذلك ويشهد به، ونقض ولو بغير خرب إلا لتوسيع كمسجد، ولو جبرا، وأمروا بجعل ثمنه لغيره".

        القول الثالث: أن الناظر يملك بيع ما وقف على المسجد دون غيره .

        وبهذا قال بعض الشافعية؟) .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول:

        استدل لهذا القول بما يلي:

        (254) 1- ما رواه البخاري ومسلم من طريق الشعبي قال: حدثني كاتب المغيرة بن شعبة قال : كتب معاوية إلى المغيرة بن شعبة أن اكتب إلي بشيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".

        وجه الاستدلال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى في هذا الحديث عن إضاعة [ ص: 34 ] المال، ولا يخفى أن في إبقاء الوقف حال التعطل على ما هو عليه إضاعة للمال، فوجب الحفظ بالبيع ; لأن المقصود انتفاع الموقوف عليه بالثمرة لا بعين الأصل من حيث هو، ومنع البيع حينئذ مبطل لهذا المعنى الذي اقتضاه الوقف، فيكون خلاف الأصل.

        2- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".

        الشاهد من الحديث : قوله صلى الله عليه وسلم فيه: "إلا من صدقة جارية".

        3- ما جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "تصدق بأصله لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث".

        وجه الاستدلال بهذين الحديثين : دل عموم هذين الحديثين على أن الأصل في الوقف التأبيد والدوام والاستمرار، وذلك ليدوم الثواب، وفي تعطل الوقف أو خرابه تضييع لفائدته، والتمسك بالعين في تلك الحالة إبطال لغرض الواقف، وفي استبداله عند تعطله رعاية لغرض الواقف، واستبقاء للوقف بمعناه عند تعذر إبقائه في صورته ، فتعين ذلك.

        قال ابن عقيل : "الوقف مؤبد، فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، واتصال الأبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين حال تعطلها تضييع للغرض". [ ص: 35 ]

        4 - ما روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما بتحويل المسجد الجامع بالكوفة ونقله، وجعل بيت المال في قبلته، فحوله عبد الله ، وصارت عرصة المسجد الأول سوقا للتمارين. وجه الاستدلال : قال بهاء الدين المقدسي: "ووجه الحجة منه أنه أمره بنقله من مكانه ، فدل على جواز نقل الوقف من مكانه ، وهذا معنى البيع"، قال ابن عقيل: "وهذا كان مع توفر الصحابة، فهو كالإجماع; إذ لم ينكر أحد ذلك مع كونهم لا يسكتون عن إنكار ما يعدونه خطأ ".

        فالمقصود هنا : أنه إذا جاز الاستبدال في المسجد الموقوف الذي يوقف للانتفاع بعينه، وعينه محترمة شرعا، فلأن يجوز الاستبدال فيما يوقف للاستغلال أولى وأحرى.

        5- القياس على الهدي إذا عطب في السفر، فإنه يذبح في الحال وإن كان يختص بموضع معين، فلما تعذر تحصيل الغرض بالكلية استوفي منه ما أمكن، وترك مراعاة المحل الخاص عند تعذره; لأن مراعاته مع تعذره تفضي إلى فوات الانتفاع به بالكلية ، وهكذا الوقف المعطل المنافع.

        6- أنه لا نفع في بقاء الوقف مع تعطل منافعه، وفيه ذهاب لماليته ، فكانت المحافظة على ماليته ببيعه واستبداله أولى; لأنه لا يجوز وقف [ ص: 36 ] ما لا نفع فيه ابتداء، فلا يجوز استدامة وقفه; لأن ما كان شرطا لابتداء الوقف كان شرطا لاستدامته.

        7- أن الوقف مؤبد، فإذا لم يمكن تأبيده على وجه تخصيصه استبقينا الغرض، وهو الانتفاع على الدوام في عين أخرى، واتصال الأبدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض من الوقف .

        8- استدل ابن نجيم على التقييد بالأراضي: أن الأرض إذا ضعفت لا يرغب في استئجارها، وإنما يرغب في شرائها، وأما الدار إذا خربت يرغب في استئجارها مدة طويلة وتعميرها للسكنى.

        ونوقش: بأنه غير مسلم فإن كثيرا من بيوت الوقف خراب لا يرغب في استئجارها، وإنما يرغب في شرائها.

        أدلة القول الثاني: (عدم جواز الاستبدال) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمر: "تصدق بأصله، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث"

        . وجه الاستدلال: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الوقف لا يباع، وهذا عام لكل أحوال الوقف، أي: سواء تعطلت منافعه أم لم تتعطل .

        . [ ص: 37 ] ونوقش هذا الاستدلال من وجهين :

        . الوجه الأول : أن المراد بالبيع في الحديث البيع المبطل لأصل الوقف، بدليل قرنه بالهبة والإرث.

        . قال ابن قاضي الجبل : "فالبيع والحالة هذه لا يجوز إجماعا - أي: البيع المبطل للأصل - ; لأن فيه إبطالا لأصل الوقف، وذلك لا يجوز عند العلماء المجمعين على صحة الوقف ولزومه، وإذا حمل البيع على هذا المعنى لم يتخصص بحال، فإن أحدا لم يجوز بيعه ليؤكل ثمنه".

        ويسند هذا الفهم أمران:

        الأول : ما جاء في صحيح البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما سأله بيع فرس قد وقفها : "لا تبتعها ولا ترجع في صدقتك".

        فنهى عن البيع كصورة من صور الرجوع عن الصدقة، والذي يظهر أن هذا العطف هو من قبيل عطف العام على الخاص لمزية في الخاص تقتضي التأكيد عليه; إذ هذه الحالة هي من أشهر صور الاعتداء على الأوقاف وأكثرها انتشارا، لذا أمره أن لا يبيع صدقته كحالة من حالات الرجوع عن الوقف، وأكد النهي عنها بعطف العام عليها، وهو النهي عن الرجوع في الصدقة الموقوفة، وذلك لكون التحايل ببيعها أكثر صور الاعتداء على [ ص: 38 ] الأوقاف وقوعا، وعليه فلا يدخل في النهي ما كان من البيع والاستبدال لمصلحة الوقف. الثاني : كذلك هذا الأمر ظاهر في الحديث الذي استدلوا به، حيث عطف النهي عن البيع بالنهي عن أن يوهب الوقف أو يورث، وكل هذه صور منع منها ; لأنها تؤدي إلى إضاعة الأوقاف والتصرف بها بلا بدل، بخلاف البيع الذي يراد منه تثمير مال الوقف وزيادته ويكون استبدالا بما هو أنفع، والنص يفهم بسياقه، وسباقه ولحاقه.

        الوجه الثاني : أنه على تقدير عمومه ، فإنه مخصوص منه حال التعطل بما تقدم من أدلة أصحاب القول الأول.

        وعلى التسليم بأنه عام فهو قابل للتخصيص بما يكون الاستبدال فيه أحظ وأنفع.

        الوجه الثالث: أن المنع خاص بحالة يكون فيها الوقف القائم هو الأنفع، وعليه فلا دليل في الحديث على منع بيع ما كان غيره أكثر نفعا منه ، وكان البيع محققا لذلك.

        2- أن أكثر أوقاف السلف - رحمهم الله - قد خربت، ولو كان البيع جائزا فيها لما أغفلوه، ولكان بقاؤه خرابا دليلا على منع بيعه.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجوه :

        الوجه الأول : أنه غير مسلم، فقد ورد الاستبدال عن السلف رحمهم الله . [ ص: 39 ]

        الوجه الثاني: أن بقاء الموقوف خرابا مع إمكان المبادلة فيه واستثماره تضييع للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، ولا اعتبار بعمل أحد إذا كان مخالفا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

        الوجه الثالث: أنه مخالف لما دلت عليه السنة من استمرار نفع الوقف وثوابه .

        3- أن البناء وإن خرب فإن البقعة لا تذهب، ويمكن أن يعاد إلى حاله، فيرجع صلاحه.

        ونوقش هذا الاستدلال: بأن رجوع صلاحه أمر محتمل، وقد يبعد، بل إن بعض العقارات الخربة يعد إصلاحها أمرا شبه مستحيل، خاصة وأن عمارة العقار تحتاج إلى أموال طائلة أكثر من الريع بكثير، فإذا كان الوقف منقطع الموارد فكيف تمكن عمارته، على أننا لا نقول بجواز بيعه إذا رجي صلاحه قريبا.

        4- أن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز مع تعطيلها، كالعبد المعتق .

        ونوقش من وجهين :

        الوجه الأول: أنه قياس مقابل بمثله، فكما لو قتل الجارية الموقوفة ، تعين بدلها.

        الوجه الثاني : أنه قياس مع الفارق; لأن بيع الوقف واستبداله عند تعطله يخالف العبد المعتق; لأن العبد بعد العتق خرج عن حكم الأموال بخلاف الوقف. [ ص: 40 ]

        5- أنه لم يثبت في الأدلة من الكتاب والسنة مشروعية الاستبدال مطلقا . وأجيب:

        أ- عدم التسليم بذلك; إذ ثبت إجماع الصحابة على مشروعيته كما روي في قصة نقل المسجد بالكوفة، وكان هذا بمشهد من الصحابة، ولم تنقل مخالفة أحد منهم في ذلك.

        ب - وعلى التسليم بأنه لم يثبت في الأدلة مشروعية الاستبدال، فكذلك لم يثبت في الأدلة المنع منه.

        ج - أنه حتى لو صح عدم ثبوت النص المجيز للاستبدال، فقد تقرر بالنظر إلى مقاصد الوقف أن التأبيد ليس مقصودا على عين معينة دون غيرها ، بل كما يحصل التحبيس بالعين الأولى كذلك يحصل وزيادة بالعين الثانية الأكثر نفعا .

        قال ابن تيمية : "وليس في تخصيص مكان العقار الأول مقصود شرعي ولا مصلحة لأهل الوقف، وما لم يأمر به الشرع ولا مصلحة فيه للإنسان فليس بواجب ولا مستحب لمن يشتري بالعوض ما يقوم مقامه ، بل العدول عن ذلك جائز، وقد يكون مستحبا، وقد يكون واجبا إذا تعينت المصلحة فيه، والله أعلم".

        6- استدلوا بعمل أهل المدينة; إذ بقاء أحباس السلف دائرة دليل على منعهم من ذلك البيع . [ ص: 41 ]

        وفي المدونة : "وهذه الأحباس قد خربت، فلا شيء أدل على سنتها منها، ألا ترى أنه لو كان البيع فيها لما أغفله من مضى".

        ونوقش من وجهين:

        الأول : إن الاستبدال ثابت كما في نقل مسجد الكوفة، ولم ينكره أحد من الصحابة.

        الثاني: إن بقاءها على هذا الوجه إضاعة للمال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عبرة بعمل أحد خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم .

        7- أن منع الاستبدال هو الأولى; إذ به يحصل إيصاد باب التلاعب بالأوقاف، وكذلك فإن الاستبدال مناف لمقاصد الوقف من الدوام والاستمرار.

        ونوقش من وجهين :

        الأول: أن المنع من الاستبدال فيما يحقق الغبطة والمصلحة سبب من أسباب ضعف الأوقاف وربما انقطاعها، بخلاف الاستبدال المحقق للمصلحة وفقا للضوابط الشرعية، فهذا من أعظم سبل حفظها وتثميرها.

        الثاني: أن تحقيق مقصد الدوام والاستمرار في الوقف كما يحصل بمنع الاستبدال فيما لا يحقق الغبطة، فكذا يتحقق في الاستبدال القائم على فعل الأصلح، والسعي للأحظ.

        فتبين أن المنع المطلق لا يحقق الاستمرار للعين الموقوفة، كما لا يحققه مطلق الاستبدال، بل الواجب إيقاع الاستبدال فيما يحقق المصلحة دون غيره. [ ص: 42 ]

        دليل القول الثالث: (استبدال ما وقف على مسجد) :

        أن دار المسجد يستحقها المسجد، وهو شيء واحد حاجته حاصلة الآن، فالمتصرف عليه نظره شامل، بخلاف الموقوف على بطون، فالبطن الذي لم يأت بعد ليس للناظر تصرف عليه.

        ونوقش هذا الدليل من وجهين :

        الوجه الأول: أنه لم يتصرف على من بعده من البطون، وإنما تصرف على طبقته، وتصرفه على من بعده من البطون جاء تبعا، ويثبت تبعا ما لا يثبت استقلالا.

        الوجه الثاني : أنه يدل على جواز استبدال الوقف مطلقا سواء كان على مسجد أم على غيره، وإنما خلافهم أنه ليس للناظر حق التصرف على ما يأتي من البطون، وذلك يبيح الاستبدال عن طريق الحاكم; لأن له النظارة العامة .

        الترجيح:

        الذي يظهر رجحانه في هذه المسألة - والله أعلم بالصواب . هو القول الأول القائل بملكية الناظر لاستبدال الوقف عند تعطل منافعه; لقوة ما استدلوا به، ولما في ذلك من المصلحة الظاهرة للواقف باستمرار جريان صدقته بالوقف، والمصلحة للموقوف عليه باستمرار انتفاعه بالوقف، والشريعة المطهرة جاءت بجلب المصالح ودرء المفاسد، ولأن أكثر المانعين من الاستبدال أجازوا بيع الفرس الوقف عند تعطله. [ ص: 43 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية