الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الرابع

        حق الواقف في تعيين ناظر الوقف إذا لم يشترطه

        لأحد، أو جعله لإنسان فمات .

        إذا لم يشترط الواقف النظارة لأحد، أو اشترطه لإنسان فمات، ففي أحقيته في تعيين ناظر على وقفه خلاف بين الفقهاء على ثلاثة أقوال:

        القول الأول : أن للواقف الحق في تعيين ناظر لوقفه، حتى ولو لم يشترطه لأحد، أو اشترطه لشخص فمات.

        وبهذا قال الحنفية، والمالكية.

        القول الثاني: أن الواقف لا يملك تعيين ناظر آخر ما لم يشترط لنفسه حق التعيين .

        وبهذا قال محمد بن الحسن من الحنفية ، وهو قول الحنابلة .

        القول الثالث: التفصيل : وهو أن للواقف حق التعيين إذا اشترط الولاية [ ص: 373 ] لنفسه، أو لم يشترطها لأحد، وقلنا له: الولاية الأصلية على الوقف، وإلا فلا .

        وبهذا قال الشافعية.

        الأدلة:

        دليل أصحاب القول الأول: (للواقف الحق في تعيين ناظر الوقف) : استدل لهذا الرأي بما يلي:

        أن عمر رضي الله عنه عين بنته حفصة رضي الله عنها على وقفه بعد ما وليه هو، وبعد مضي سنوات على وقفه، فقد جاء في كتاب عمر رضي الله عنه : "هذا ما كتب عبد الله عمر أمير المؤمنين في ثمغ، أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمره حيث أراها الله ، فإن توفيت فإلى ذوي الرأي من أهلها ...، والمئة وسق الذي أطعمني النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنها مع ثمغ على سننه الذي أمرت به، وإن شاء ولي ثمغ أن يشتري من ثمره رقيقا يعملون فيه فعل، وكتب معيقيب، وشهد عبد الله بن الأرقم" .

        فعمر رضي الله عنه كتب هذا الكتاب في خلافته ; لأن معيقيبا كان كاتبه زمن الخلافة، ولأن معيقيبا وصف عمر في هذا الكتاب بأنه أمير المؤمنين في حين أن عمر تصدق بثمغ حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر سنة سبع من الهجرة .

        دليل أصحاب القول الثاني: (الواقف لا يملك تعيين الناظر) :

        قياس الواقف على الأجنبي عن الوقف في عدم إثبات حق له في تعيين [ ص: 374 ] ناظر للوقف; لأن الواقف لما حبس العين فقد أخرجها عن ملكه، وصار كالأجنبي عنها، فلا يملك النصب ولا العزل، كما لا يملكه الأجنبي .

        ونوقش : بأن إلحاق الواقف بالأجنبي بالنسبة للوقف لا يصح، حيث إن الواقف له تعلق بالوقف، ومصلحته في دوامه وعمارته ; لأن في ذلك استمرار الأجر له، بخلاف الأجنبي ، فالواقف وإن أخرج العين عن ملكه فمن حقه تعيين ناظر عليها ليطمئن على استمرار صدقته .

        دليل أصحاب القول الثالث: (للواقف حق تعيين الناظر إذا اشترط الولاية لنفسه، وعلى القول بأن له حق الولاية الأصلية) :

        الجمع بين دليل القول الأول ودليل القول الثاني، فمتى ما أثبتنا له حق التولية، فلخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ومتى ما منعناه من التولية، فلأنه قد أزال ملكه عن العين، فلا تبقى ولايته عليها.

        ونوقش: بأن إثبات حق التولية للواقف لخبر عمر رضي الله عنه ، أما منعه من التولية لزوال ملكه عن العين الموقوفة ففيه نظر; لأنه وإن زال ملكه فإن له تعلقا بالعين التي أوقفها، حيث إنها سبب في جريان الثواب له، فيهمه أن يتولى عليه من يثق بأمانته وعدله.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - هو القول الأول القائل بثبوت حق الواقف في تعيين ناظر لوقفه، حتى ولو لم يشترطه لأحد، أو اشترطه لشخص فمات أو عزل; لقوة ما استدلوا به. [ ص: 375 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية