الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المطلب الثاني

        القصاص في الجناية على نفس الموقوف

        إذا كان الموقوف عبدا أو أمة وجني عليه عمدا، فاختلف العلماء رحمهم الله في حكم القصاص من الجاني على العبد على قولين :

        القول الأول : أنه يجب القصاص على قاتل العبد الموقوف المكافئ. [ ص: 236 ]

        وهذا القول هو الأصح عند الشافعية ، وبه قال بعض الحنابلة.

        القول الثاني: أنه لا قصاص على من جنى على العبد الموقوف، وإنما تجب قيمته فقط.

        وبه قال الحنفية، وبعض الشافعية، ومذهب الحنابلة .

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (وجوب القصاص) :

        1- عموم أدلة القصاص كقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ، وقوله تعالى: ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون .

        وقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص . والعبد الموقوف داخل في هذه الآيات; لأنه إنسان مكلف فيدخل في خطاب الشارع.

        2- أن الحكمة من القصاص لم تتخلف في حق قاتل عبد الوقف أو أمته ، وهي حفظ الحياة ودفع مفسدة التجني على الدماء بالجناية والاستيفاء ، فلولا القصاص لفسد العالم، وأهلك الناس بعضهم ابتداء واستيفاء، والله أعلم .

        [ ص: 237 ]

        3- أن تعلق حق الموقوف عليه لا يمنع القصاص، وكذلك تعلق حق الله سبحانه وتعالى ، بدليل القصاص من الجاني على المرهون رغم تعلق حق المرتهن .

        أدلة القول الثاني: (عدم وجوب القصاص) :

        استدل أصحاب هذا القول بما يلي:

        1- القياس على العبد المشرك في أن عبد الوقف لا يختص به الموقوف عليه، فلم يجز له أن يقتص من قاتله لتعلق البطون القادمة به، كما لا يجوز لأحد الشركاء أن يقتص من قاتل.

        ونوقش هذا الاستدلال من وجهين :

        الوجه الأول: أنه استدلال في مقابلة النص.

        الوجه الثاني: أن هذا القياس مع الفارق، ألا ترى أن ملكية العبد المشترك ملكية تامة للشركاء بخلاف عبد الوقف; ففي ملكيته الخلاف السابق) ، على أن الذين يقولون بملكيته قالوا: إنها ملكية ناقصة لا تبيح لهم التصرف بالعين، وإذا لم يبح لهم التصرف بالعين، فإن الذي يستوفي القصاص هو الحاكم لا الموقوف عليه ولا الواقف.

        2- أن في القصاص استهلاك الوقف وتفويته، والوقف يجب أن يكون محفوظا . ونوقش هذا الاستدلال من وجهين :

        الوجه الأول: أن هذا اجتهاد مصادم للنص في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ، ولا اجتهاد مع النص . [ ص: 238 ]

        الوجه الثاني : أنه لو جاز ذلك لجاز أن يقال إن في قتل النفس بالنفس إهدارا للطاقات البشرية، والطاقة البشرية يجب أن تكون محفوظة.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم – أن القول الأول; للنصوص الصحيحة الصريحة ، ولأن تعطيل القصاص يؤدي إلى ضياع حق المجني عليه، والجرأة على القتل إذا علم أنه لن يقتص منه .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية